ارتبطت أغلبية الساحات الجزائرية والشوارع المؤدية إليها بأسماء المجاهدين من شهداء الثورة التحريرية (1954-1962)، كما خلدت بطولاتهم منذ الاستقلال، غير أن الحراك الاجتماعي والغضب الشعبي والغليان في أوساط مختلف الفئات الاجتماعية في الجزائر اليوم، أعادت تلك الأسماء إلى الواجهة، ورسخت تخليدها من جديد.
وباتت ساحات مثل ساحة موريس أودان، وساحة البريد المركزي وساحة أول مايو، وساحة الحرية (حرية الصحافة)، وساحة الشهداء الفضاءات الأبرز التي شهدت أكبر الاحتجاجات والمسيرات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شارعي الشهيد ديدوش مراد، والشهيدة حسيبة بن بوعلي، الرئيسين في قلب العاصمة الجزائرية. وتضم تلك الساحات عشرات المباني التي يعود بناؤها إلى فترة الاستعمار، وتحوي محالَّ تجارية ومدارس ومؤسسات حكومية وجامعة الجزائر ومستشفى مصطفى باشا الجامعي، وغيرها من المديريات التابعة لعدد من الوزارات.
ساحة المناضل وصديق الثورة الجزائرية الطبيب الفرنسي موريس أودان، الذي انحاز للثورة الجزائرية، هي أكبر الساحات التي تحاذيها أقدم جامعة جزائرية وهي جامعة الجزائر، وتؤدي إلى النفق الجامعي. هي أمكنة ارتبطت بأحداث سياسية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فضلاً عن الاحتجاجات التي كانت ممنوعة لا سيما في عام 2014، لتصبح هذه الساحة "ملجأ" للغضب الشعبي والاحتجاجات السلمية بمختلف أشكال التعبير والشعارات التي رفعها الجزائريون المعارضون للعهدة الخامسة.
وتحتفظ ساحات البريد المركزي، و"أول مايو" و"الشهداء" برمزية ثورية، واستمرت بكونها أمكنة معروفة بـ"أماكن الثّورة"، وانطلاقاً منهما صار الشارع الجزائري فضاء مفتوحا على مدى ثلاثة أسابيع للاحتجاج ورفع المطالب السياسية.
وأعاد الجزائريون اكتشاف الإنسان فيهم، وإنهاء القطيعة مع حق تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات التي اختفت من المشهد الجزائري خلال ثلاثة عقود، بفعل الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد في التسعينيات، ثم بفعل قرار المنع الذي فرضته السلطة على الجزائريين في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لكن الشارع الجزائري تحول من جديد إلى منبع ومصدر وملجأ لكثير من الأصوات على اختلاف فئاتها وأطيافها وخلفياتها.
غير أن الثابت هو أن تلك الشوارع التي سطع نجمها اليوم، تحمّلت صراخ الملايين في قلب العاصمة الجزائرية، يساريين وإسلاميين ووطنيين وتقدميين وحداثيين وطلبة وعمالاً ومزارعين، جاؤوا من مختلف الولايات على اختلاف الوجوه والأعمار.
تلك الأسماء، التي أطلقت على تلك الفضاءات عند مدخل كل شارع، حافظت على تاريخ ثورة التحرير، وعلى إرث حمله المئات بل الآلاف من الجزائريين إبان تلك الثورة.
عموما، ترتبط كل ساحة وكذلك الشوارع المتصلة بها بشهداء الثورة أو المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي (1830-1962) ومناضليها، ومجاهديها، كما تحتفظ الدولة الجزائرية بإطلاق التسميات على المؤسسات والمدارس والجامعات لتخلدهم في التاريخ، وتبقيهم رموزا من رموزها على مر الأجيال.