طلاب ينسحبون من جامعات غزة

08 فبراير 2019
مستقبل مجهول (محمد الحجار)
+ الخط -

فصل دراسي بعد آخر، تتفاقم أزمات طلاب الجامعات في قطاع غزة. يحاولون التحايل على أوضاعهم المعيشية، لكنّهم يفشلون في أحيان كثيرة.

قبل أيام، تقدّم الطالب الجامعي الفلسطيني أحمد نصر (21 عاماً) بطلب تأجيل تسجيله في الفصل الدراسي الثاني، هو الذي بلغ عامه الدراسي الثالث في تخصص هندسة الإلكترونيات في كلية الهندسة التابعة لجامعة الأزهر في غزة. أمّا السبب فهو عدم قدرته على توفير التكاليف التي تبلغ 475 ديناراً أردنياً (نحو 670 دولاراً أميركياً) للفصل الدراسي الواحد.

يخبر أحمد "العربي الجديد" بأنّ "والدي موظف في السلطة الفلسطينية التابعة لرام الله، ولا يتقاضى إلا مبلغاً متواضعاً، في حين أنّه يسدّد أقساط قرض مصرفي سابق هدف إلى توفير تكاليف الدراسة الجامعية لشقيقَيّ مصطفى (24 عاماً) وإياد (23 عاماً) اللذَين هما عاطلان من العمل اليوم". ويشير أحمد إلى "صعوبة تلك اللحظة، عندما قدّمت طلب تأجيل فصلي الدراسي. غادرت المبنى الجامعي وأنا أنظر إليه، فأنا سوف ألازم المنزل ستّة شهور من دون عمل ومن دون مستقبل". ويردف أنّه "في الدول التي تقدّر الوقت، يعمدون إلى استثمار العقول الشابة، أمّا نحن في فلسطين فبعيدون عن ذلك". يُذكر أنّ حال أحمد لا تختلف عن حال آخرين من طلاب جامعات غزة الذين عمدوا إلى الانسحاب من الفصل الدراسي الثاني، من دون أمل حقيقي في عودتهم إلى دراستهم الجامعية نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي ترزح تحتها أسرهم. ثمّة طلاب قدّموا طلباتهم تلك، آملين في توفير المال اللازم لتكاليف الفصل المقبل.




وكان طلاب كثر في جامعات غزة يعمدون إلى تسديد مبالغ قليلة، أحياناً نصف تكاليف الساعات المسجّلة كحدّ أقصى، حتى يُسمح لهم بدخول قاعات الامتحانات النصفية والنهائية. لكنّ تراكم الديون الجامعية على عدد كبير منهم، إلى حين بلوغهم نهاية دراستهم، لم يكن يتيح لهم الحصول على شهادة التخرّج إلا في حال سدّدوا كلّ ما يتوجّب عليهم. وفي هذه الحالة، كانت جامعات تعمد إلى خصم نسب من ديون طلابها، في حين توفّر جمعيات خيرية مساعدات لآخرين حتى يتمكّنوا من الحصول على شهاداتهم. لكنّ المعاناة ماضية في التفاقم، لأنّ الطلاب اليوم غير قادرين على تأمين الحدّ الأدنى من تكاليف دراستهم، الأمر الذي يترك آمالهم معلّقة.

تفيد وزارة التربية والتعليم العالي على موقعها الإلكتروني، بأنّ غزّة تضمّ ثماني جامعات توفّر عشرات الاختصاصات، بالإضافة إلى 12 كلية متخصصة وللعلوم التطبيقية، وهي تؤمّن الدراسة لأكثر من 40 ألف طالب مع بداية عام 2019. أمّا الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فيشير إلى أنّ عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة والضفة الغربية يبلغ 40 ألف خريج وخريجة سنوياً، 21 ألفاً منهم في غزة، بينما يوفّر السوق المحلي نحو ثمانية آلاف فرصة عمل للفلسطينيين (20 - 29 عاماً).

قلقهنّ ظاهر (محمد الحجار)

بسام البحري (22 عاماً)، طالب في كلية التربية في الجامعة الإسلامية بغزة، لم يعمد إلى تقديم طلب تأجيل فصله الدراسي، إذ إنّه لا يأمل في العودة إلى الجامعة. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أستطع، على مدى ثلاثة أعوام، تسديد إلا 40 في المائة من قيمة التكاليف المتوجّبة عليّ. فأنا أعجز عن تأمين 160 ديناراً أردنياً (نحو 230 دولاراً)، لأنّني أعيش في أسرة تراجعت إلى الطبقة الفقيرة منذ أزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة، في إبريل/نيسان من عام 2017". يضيف بسام أنّ "ثمّة جمعيات خيرية تسدّد بعض تكاليف الدراسة الجامعية، مشترطة أن تكون الأسر فقيرة جداً ومن دون أيّ مصدر دخل"، سائلاً: "وماذا عنّا نحن الذين لا يتقاضى آباؤنا إلا 50 في المائة من رواتبهم؟". ويؤكد أنّ "عدداً كبيراً منهم مثل أبي يسدّدون أقساط قروض مصرفية، وبالتالي لا يتبقّى لهم سوى مبلغ قليل لا يكفي حتى لتأمين الطعام. نحن صرنا فقراء". ويخبر بسام أنّه قصد أربع جمعيات خيرية محلية في غزة بعد إعلانها استقبال طلبات كفالة الدراسة الجامعية، "لكنّني صدمت في المرّة الأخيرة، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما أعلن أسماء 300 مستفيد فقط من أصل 10 آلاف تقدّموا بطلبات".




من جهتها، تقول فايزة صالح (21 عاماً)، وهي طالبة في كلية التربية في جامعة الأقصى بغزة، إنّها لن تسجّل اسمها للفصل الدراسي الثاني، على الرغم من أنّ تكاليف جامعة الأقصى هي الأدنى بين جامعات القطاع المحاصر. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "ظروف أسرتي المعيشية صعبة جداً، فوالدي لا يتقاضى إلا 40 في المائة من راتبه كلّ 45 يوماً من حكومة غزة، وهذا لا يكفي عائلتنا المؤلفة من ستّة أفراد". تضيف أنّ "كل الخريجين في غزّة وحتى الطلاب يعلمون جيداً أنّهم لن يحصلوا على وظيفة إلا بصعوبة بالغة. لكنّنا نتابع دراستنا ونحصل على شهادة ونروّح عن أنفسنا وسط الهموم التي تحيط بمجتمعنا. أمّا اليوم، فقد اضطررت إلى ملازمة المنزل من دون عمل ولا تعليم، أنتظر رحمة الله".
دلالات