تروي المنازل الطينية في مخيم الركبان فصولا من مأساة نزوح إلى قلب الصحراء القاحلة قرب الحدود السورية الأردنية، يزيدها حصار خانق يفرضه النظام السوري على النازحين إليه.
أبواب المنازل من الخشب ونوافذها من البلاستيك، وهي لا تقيهم البرد ولا المطر، أما وجوه النازحين الشاحبة بين بيوت الطين والخيام فتحكي قصة معاناتهم، وأجساد أطفالهم يغطيها غبار الصحراء، ومعظمهم يقضون الوقت في ألعاب بسيطة تلهيهم عن واقعهم المزري.
الخبز والغذاء والماء يصعب الحصول عليها في المخيم، فالنظام وداعموه يواصلون الضغوط لإرغام النازحين على الرضوخ للخيارات المطروحة، وسلاح التجويع قد يكون الأنجع، وخاصة أن النظام استخدمه سابقا في عدة مناطق، إذ بدأ أخيرا، بعد وصول القافلة الإنسانية الأخيرة، بقطع طرق التهريب التي تصل المحروقات والطعام عبرها إلى المخيم.
وقال عضو الإدارة المدنية في المخيم، عمر الحمصي، لـ"العربي الجديد": "إن الطريق الذي كانت تصل عبره المواد الغذائية والمحروقات إلى المخيم مقطوع، واليوم سعر ليتر المازوت 1500 ليرة سورية، وسعر ليتر البنزين 1000 ليرة، وهي أضعاف السعر في مناطق سيطرة النظام، والكاز غير موجود، وسعر أسطوانة الغاز لا يقل عن 25 ألف ليرة".
وأوضح الحمصي أن "المخيم يضم فرنين للخبز، والفرن الأول توقف عن العمل بعدما نفدت المواد، من طحين ووقود لديه، والثاني فيه مؤن تكفي لمدة شهر تقريبا، ولكن المشكلة أنه سيضاعف عمله لتعويض توقف الفرن الآخر، ما يعني أن كمية المواد المتوفرة لديه قد لا تكفي لأسبوعين".
وأضاف: "الممرات الآمنة تم افتتاحها قبل ثلاثة أيام، لكن حتى اللحظة لم يتوجه المدنيون إليها، ويتداول كثيرون أن هناك عوائل اتجهت إلى أحد حواجز النظام بغية الخروج من المخيم، فتم توقيفها قبل ترك أفرادها في البرية، ولم يسمح لهم بالعبور. هناك من يريد مغادرة المخيم بسبب الفقر الشديد والوضع الإنساني السيئ، لكن هناك تخوفا من أن يتم نقلهم إلى مخيم يشرف عليه النظام".
وفي الشارع المتعارف على أنه سوق مخيم الركبان، تغيب الخضروات عن البسطات الملاصقة للمنازل، وكل ما يتوفر في الدكاكين الطينية هو قليل من المواد الغذائية.
وقال النازح إلى المخيم أحمد العبود، لـ"العربي الجديد": "كثير من الظروف الصعبة مررنا بها خلال السنوات الست الماضية، لكن يبدو أن هذه أشدها. شارفت على الأربعين، لكنني أشعر أن عمري ثمانين سنة، والتعب في عقولنا وقلوبنا ظاهر على أجسادنا، وأطفال كثر ولدوا هنا في الخيام أو في هذه البيوت الطينية، ومنهم من أصبح في الخامسة، ولا يعرفون شيئا خارج المخيم، ونرجو أن تنتهي مأساتنا قبل أن يدركوا حقيقة ما يعيشون فيه".
لا تقتصر المأساة على الأطفال، فكل رب أسرة لديه قصة، من ترميم البيت الطيني لإيقاف تسرب المياه إليه أوقات المطر، إلى مراقبة سقف المنزل خوفا من انهياره على أطفاله، وصولا إلى أزمة تأمين الغذاء.
وقال محمد ياسين لـ"العربي الجديد": "المعيشة هنا شقاء كبير. أنا أب لثلاثة أطفال، وتفكيري على الدوام مشغول بإطعام أطفالي، وفي معظم الأوقات نتدبر أمورنا بما تيسر، وفي أحيان أخرى لا نجد شيئا، وعادة لا نملك المال لشراء الطعام، وأحيانا يتوفر المال لكن لا يتوفر الغذاء لنشتريه".
ويبقى نازحو مخيم الركبان بانتظار انتهاء الخلافات حول مصيره، إذ تعتبر روسيا أن التخلص من النازحين في المخيم أولوية، باعتباره مبررا لوجود القوات الأميركية في قاعدة التنف، وسمح النظام السوري بعد ضغوط الأمم المتحدة بإدخال قافلة مساعدات إنسانية إلى المخيم في 6 فبراير/شباط الجاري.