إلى اللقاء يا حرستا

23 مارس 2018
نظرة أخيرة إلى مدينتهم المدمرة قبل الرحيل(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
أمس الخميس، انتهت سبع سنوات من ثورة مدينة حرستا في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، وانتهى حصار استمر أربعة أشهر لـ20 ألف مدني. لكنّ ذلك لم ينتهِ إلا بتهجير النظام 8 آلاف شخص عنها، حمّلهم في باصات.

بدأ منذ صباح أمس أهالي حرستا بالتجمع في ساحة السيل. أم كبيرة في السن تودع أبناءها وتدعو لهم بالسلامة والرضا، وتطلب من الله أن يجمعها بهم قريباً، وأن يكونوا هم من سينزلونها إلى قبرها. والدهم يتكئ على عكازه صامتاً محاولاً حبس دموعه. عائلة أخرى تودع أقارب لها، توصيهم بحمل السلام لأقارب غادروا المدينة قبل سنوات. آخرون يجلسون على طرف الساحة يضعون أشياءهم، وأعينهم تراقب الحركة هناك.

حتى الخمسينية، فاتن (أم سميح) التي اعتقل النظام وحيدها الطبيب وزوجته منذ عام 2013، المسؤولة عن أحد أقدم المطابخ الخيرية في حرستا والغوطة، طبخت لآخر مرة لها في حرستا، وأطعمت كثيرين ممن اعتادوا على وجباتها أيام الحصار والجوع، واستعدت للرحيل.




أما أبو أحمد، أحد عناصر الدفاع المدني في حرستا، فيقول لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع التحدث، الناس تصعد إلى الحافلات، مثل طلوع الروح من الجسد، البلد مدمر بالكامل، بصمت دولي وتخاذل من حولنا، ونحن طوال أكثر من أربعة أشهر كنا نتعرض للإبادة، لقد فقدنا كلّ مقومات الحياة".

ينتظر أبو خالد مع عائلته وصول الحافلات إلى الساحة، ويقول لـ"العربي الجديد": "ليس من السهل عليّ ترك مدينتي التي عشت فيها أكثر من 40 عاماً، لكن يبدو أنّ ما كنت أخشاه وقع، وسأخرج اليوم من أجل أطفالي، فأنا لا آمن على حياتي أو حياتهم إن بقينا هنا، وإن لم يخرجونا بالقوة، فغداً سيخرجوننا بحجة أنّ الأبنية مدمرة ويجب إزالتها". يحمل أبو خالد مخاوف مما ينتظره في إدلب: "لا أعلم عن الوضع هناك غير ما ينقل من أخبار، وكلّ ما أخشاه أن نعيش تجربة حرستا من جديد في إدلب، كما أنّ مشكلة ارتفاع إيجارات المنازل ستكون من أكبر العوائق أمامنا... أرجو أن نجد مكاناً يؤوينا".

أما محمد، الناشط في حرستا منذ أول تظاهرة خرجت في المدينة، فيقول لـ"العربي الجديد": "ليس لي ثقة بالنظام، ولم أخرج في التظاهرات قبل سبع سنوات لكي أعود بعد كلّ ما حدث من قتل وتدمير واعتقالات، لأعيش من جديد تحت سلطة النظام". يلفت إلى أنّ أكثر ما يحزّ في نفسه أنّه سيخرج من حرستا من دون أن يودّع والديه، المقيمين في إحدى مناطق ريف دمشق منذ ثلاث سنوات، ولا يعلم إن كان سيتمكن من لقائهما مجدداً.

من جهته، يقول الناشط الإعلامي زاهر حسون، ابن المدينة لـ"العربي الجديد": "في مدينة حرستا يعيش نحو 20 ألف مدني، ومن المزمع أن يخرج منهم نحو 8 آلاف شخص، وحتى دخول الحافلات، ظهر الخميس، كان هناك الكثير من العائلات المحتارة في أمرها إن كانت ستخرج أم لا". يشير إلى أنّ "ما أوصل حرستا إلى يوم الخميس، كانت حملة عسكرية ليست فقط طوال الأيام الثلاثة والعشرين الماضية، بل من جراء قصف يومي مكثف لم يتوقف منذ الشهر العاشر من العام الماضي، عاش خلالها الأهالي أياماً مريرة، فوقعوا بين خيارين أحلاهما مرّ، إما التهجير إلى إدلب بكلّ ما قد تحمله من مغامرة، وإما البقاء في ظل وعود بعدم التهجير وتسوية أوضاع المطلوبين". يلفت إلى أنّ "معظم الأهالي بعد تكرار النزوح والدمار، لا يملكون ما يضعونه في حقائب سفر، بل يكفي كيس صغير يضعون فيه بعض الأشياء التي تربطهم بها العاطفة".




عائلة حسون كذلك سترحل بأكملها. من بينهم مطلوب للخدمة العسكرية في القوات النظامية، وشقيقته وزوجها اللذان كانا يعملان ممرضين. يقول إنّه لا يثق في أنّ النظام قد يتركهم وشأنهم بل سينتقم منهم ولو بعد حين. يضيف أنّ كثيراً من العائلات سيتشتت شملها، فإذا كان الأب كبيراً في السن وقرر البقاء في منزله المدمر، لن يبقي على ابنه الناشط أو المطلوب للخدمة العسكرية أو الممرض، فهو يعلم ما قد ينتظره.

مخيما ساعد وميزناز
قال مسؤول في منسقي الاستجابة لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستعدادات في إدلب جارية لاستقبال مهجري حرستا، إذ نقل أمس الخميس عبر 45 حافلة ما بين 2000 و2250 شخصاً، من بينهم 10 حالات صحية طارئة". وأشار إلى أنّ نقاط الاستقرار في إدلب موزعة على مكانين رئيسين، هما مخيم ساعد الذي يتسع لـ1500 شخص، ثم مخيم ميزناز، بعدها ستنقل العائلات إلى أماكن أخرى بحسب المتوفر.
المساهمون