ابتسام... تبيع "الكلاوي" في شوارع صيدا

19 مارس 2018
تهتم بالفول (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تكن ابتسام عبد القادر المسيلخي اللبنانية، التي تسكن في مدينة صيدا (جنوب لبنان) والبالغة من العمر سبعة وخمسين عاماً، في يوم من الأيام تعمل في أيّ مجال خارج إطار تدبير منزل عائلتها. فقد كان زوجها المصري الجنسية وابنهما هما اللذان يوفران دخل المنزل واحتياجات الأسرة المتنوعة.

في سوق صيدا، المليء بالبائعين على العربات وفي المحال التجارية، تقف ابتسام عند عربة تضع عليها الفول والذرة والترمس، وتعلق في سقفها بعضاً من أكياس حلوى غزل البنات، بانتظار زبائن يوميين. تمثل هذه العربة فرحة لكثير من المتسوقين العابرين ممن تجتذبهم في العادة هذه الأصناف من المبيعات، وقد تكون سلوى للأطفال الذين يأتون مع أمهاتهم.
ابتسام تعتاش اليوم، مع ابنتها، مما تجنيه من بيعها عند هذه العربة. فمنذ الصباح حتى ساعات إقفال المحال التجارية في سوق صيدا، في الخامسة مساء، تقف ابتسام وتحضّر صحون الكلاوي (الفول) وأكياس الترمس والعرانيس (الذرة).

ابنتها تعلمت تصفيف الشعر، لكنّها لم تتمكن من العمل في هذه المهنة بعد لعدم توفر الفرص. تقول ابتسام: "ظروفي المادية والمعيشية أجبرتني على النزول إلى السوق للعمل، فمنذ ثمانية أشهر توفي زوجي الذي كان يعمل سائقاً على شاحنة نقل كبيرة، وكنت حينها أسكن في منطقة حارة صيدا، وكان إيجار بيتي يبلغ 425 ألف ليرة لبنانية (300 دولار أميركي). لكن، بعد وفاة زوجي وتوقيف الأجهزة الأمنية لابني قبل شهرين، بسبب أوراق إقامته، كونه مصري الجنسية، وعلى ذمة قضايا أخرى، بقيت أنا وابنتي في البيت وحدنا. لم يعد باستطاعتنا دفع المتوجب علينا من إيجار، فاضطررنا للخروج من المنزل والبحث عن غيره، فلم نتمكن من ذلك بسبب الإيجارات المرتفعة، واستأجرنا بدلاً منه محلاً تجارياً يتألف من طبقتين، بالقرب من الكورنيش البحري، وإيجاره مائة دولار فقط. الطبقة الأولى خصصناها للجلوس أما الطبقة الثانية فهي لنومنا أنا وابنتي".






تتابع: "في مثل هذه الظروف، لم يعد أمامي من مجال إلاّ أن أعمل، فاخترت أن أشغّل هذه العربة، وهي لابني في الأساس، فأبيع عندها وأحصّل معيشتنا إلى أن يخرج من السجن، فيعود إلى العمل عليها". لكن، هل تتمكن فعلاً من تأمين دخل يوفر لها ولابنتها حياة كريمة بعض الشيء؟ تقول: "الحمد لله، مستورة، لكنّي لا أعتمد في تحصيل رزقي على العربة فقط، بل عند المساء وعندما تغلق المحال التجارية أبوابها في السوق، أبيع المناقيش على الصاج أمام بيتي (المحل المستأجر) أيضاً" فالمكان يقع بالقرب من الكورنيش البحري حيث يكثر المتنزهون مساء.

في ما يتعلق بابنها وما يواجه من قضايا، تقول: "ليس لديّ المال حتى أوكل له محامياً يدافع عنه... محامينا هو الله وحده. لكن، هناك أصدقاء له يعملون على حلّ قضيته وإخلاء سبيله". تتابع ابتسام: "لدي ابنة أخرى تعمل في بيروت، لكنّها لا تستطيع تامين شيء من دخلها لنا فهي تنفقه على احتياجاتها من سكن وغذاء وغير ذلك".

تختلط مشكلة ابتسام ما بين فقد الزوج، والفقر، وحبس ابنها، ومنعها من تمرير جنسيتها اللبنانية إلى أولادها، ما يجعلهم عرضة للملاحقات في حال عدم تأمين الإقامة السنوية في لبنان. الإعياء ظاهر في ملامحها، بينما تختزن كثيراً من الهموم. لا تعلم متى يخرج ابنها من السجن، فهو موقوف غير محكوم. قد تطول المدة، وستتحمل خلالها كلّ هذا التعب وحدها.





على مستوى المشهد الصيداوي العام، قليلات هن النساء اللواتي يتجرأن على الوقوف عند عربة للبيع، تحديداً في السوق. وربما يكسر مشهد ابتسام رتابة السيطرة الذكورية الكاملة. من جهتها، تقول: "لم يكن لديّ من سبيل سوى إيجاد وسيلة للعمل، وهذه العربة كانت خير معين لنا. لكنّ جرّها يومياً يحتاج إلى سواعد رجال قوية ولا يقدر كثيرون على ذلك". بالرغم من كلّ ذلك، تعمل بكلّ قوتها، وحتى عندما يخرج ابنها لن تترك العمل نهائياً بل ستترك له العربة وتستمر في إعداد المناقيش على الصاج وبيعها.
المساهمون