جيل "قسد"... تلاميذ سورية من منهاج إلى آخر

02 فبراير 2018
لا يذهبان إلى المدرسة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
تبدو معاناة تلاميذ المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في سورية كبيرة. هؤلاء باتوا مجبرين على تعلم منهاج جديد لا يتضمن اللغة العربية، ما قد يحرمهم من التعليم الجامعي. أمر دفع بعضهم إلى المغادرة

ما زال الغموض يلفّ مستقبل أهالي المناطق التي تخضع لـ "الإدارة الذاتية" في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، لا سيّما التلاميذ منهم، في ظلّ فرض مناهج تعليمية خاصة وغير معترف بها بقوة الأمر الواقع. ولم تستقر العملية التعليمية في تلك المناطق منذ عام 2013 وحتى اليوم، ما يهدد مستقبل آلاف التلاميذ.

ويقول عامر، من سكان ريف الرقة، لـ "العربي الجديد": "حين سيطرت الفصائل المسلحة على مناطقنا، عمدت إلى حذف كل ما يتعلق بالنظام في المناهج التعليمية. كان الناس حينها سعداء بالتخلص من صور بشار وحافظ الأسد ومقولاتهم وسيرة حزب البعث العربي الاشتراكي وإنجازاته، خصوصاً أن غالبيتهم كانوا على قناعة أنها عبارة عن كذبة كبيرة. ومع مرور الوقت، وفي ظل القصف والأعمال العسكرية، لم تكن المدارس جزءاً من أولويات الأهالي. ومع مضي العام الأول تقريباً، وسيطرة جبهة النصرة حينها ومن يحالفها، حصل تضييق على التعليم بشكل كبير، بحسب ما هو شرعي وغير شرعي".

يضيف: "في بداية عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية داعش على هذه المناطق، فتوقفت العملية التعليمية بشكل كامل، واستعيض عنها بدروس لدعاة التنظيم في الجوامع، إضافة إلى حملات دعوية كانت تقام في الأسواق وتحض على القتل والتكفير. وبعد سيطرة قسد، فرض على التلاميذ تعلم فكر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والمفاهيم التي تحاول ترسيخها في المنطقة، كالفدرالية وديمقراطية الشعوب وأسماء المناطق، ما خلق مشكلة جديدة. إذ لا يتعلم الأطفال ما قد يساعدهم على تأمين مستقبلهم، خصوصاً أنّ النظام لا يعترف بالمنهاج، كما أنه لا يتناسب مع واقع المجتمع".

ويقول أبو عبدالله من ريف الحسكة، لـ "العربي الجديد"، إن "موضوع التعليم معقّد في مناطق سيطرة قسد. الشهر الماضي، أغلقت قسد كلية الزراعة والعلوم وطب الأسنان التابعة لجامعة الفرات، التابعة بدورها للدولة السورية، علماً أن الطلاب على أبواب الامتحانات. وحدث ذلك من خلال هجوم لمسلحيهم على الطلاب أثناء الدوام، وطردهم خارج مباني الكليات، لأن الجامعة تدرس اللغة العربية وتتبع الدولة في دمشق". يضيف: "العملية التعليمية والطلاب عامة والعرب خصوصاً يرثى لهم ولا حياة لمن تنادي. الصراعات العسكرية والسياسية طغت على مستقبل الأجيال، وزادت من معاناة المجتمع". ويلفت إلى أن "المسألة لا تتعلق بفرض اللغة الكردية فقط، بل أيضاً فرض الأفكار الحزبية الخاصة، البعيدة كل البعد عن ثقافة وسلوك المجتمع العربي".




يتابع أبو عبد الله: "اليوم، تعيش العائلات خوفاً حقيقياً على مستقبل أبنائها، خصوصاً في مرحلة الشهادة الثانوية، التي ما زالت تؤهل التلميذ للدراسة الجامعية. وهذه الشهادة ترتبط بوزارة التربية في دمشق، حتى أن غالبية التلاميذ الأكراد لا يرتادون المدارس الكردية، بل يختارون مدارس الدولة الموجودة داخل المربعات الأمنية، التي يسيطر عليها النظام. وتحولت بعض الأقبية في المؤسسات الرسمية إلى صفوف دراسية، لتجد في الشعبة الواحدة نحو 100 تلميذ، نسبة كبيرة منهم من الأكراد. ويتناوب التلاميذ على المقاعد، فيما يجلس آخرون على الأرض". ويذكر أن "من كان يلجأ إلى المدارس والمعاهد التعليمية الخاصة، حرم من هذا الخيار بعد إغلاقها. ومنع مدرسون من إعطاء دروس خصوصية في المنازل، ولوحق كل مدرس يخالف قراراتهم". ويبين أنه "مثل كثر غيره، ومنهم نسبة كبيرة من الأكراد، اضطروا إلى إرسال أبنائهم وبناتهم إلى مناطق النظام، لمتابعة تعليمهم، خصوصاً الذين يستعدون للتقدم للشهادة الثانوية". ويقول إنه أرسل ابنته التي كان تتحضر للشهادة الثانوية إلى دمشق، وسجلها في معهد تعليمي. "بالطبع، هذا يحملنا أعباء مالية كبيرة، إضافة إلى مزيد من الهموم والقلق". ويرى أبو عبد الله نفسه أن "كل هذه السياسات والممارسات في مناطق سيطرة قسد مرحلية، وستنتهي كغيرها من المشاريع التي شهدتها المنطقة".

أمّا أبو جابر، الذي يقيم في الحسكة، فيقول لـ "العربي الجديد": "أؤيد الحقوق الكردية، وحق الأكراد في تعلم لغتهم، لكن في سياق خطة على مستوى الدولة السورية، ومعتمدة بشكل رسمي. أما أن تفرض اللغة وبعض الكتب بشكل منفرد وغير رسمي، فهذا يعني المغامرة بمستقبل جيل كامل"، واصفاً ما يحدث بـ "جريمة ترتكب في حق أبنائنا. لذلك، قرر مغادرة المدينة إلى حلب حيث تعلم، لافتاً إلى أن الأولوية هي "لمستقبل أبنائي، وقد بات ابني في مرحلة الثانوية العامة، وسيتقدم لامتحان شهادة التعليم الأساسي. وإن لم يحصل عليها، فلا يحق له التقدم لامتحان الشهادة الثانوية". يتابع أبو جابر: "كان هذا الانتقال مكلفاً جداً بالنسبة لي. تركت مخبري ومنزلي وكل حياتي الاجتماعية، حتى لا يخسر أبنائي مستقبلهم. أعتقد أنني لن أتمكن من العودة حتى يحصل ابني الصغير على الشهادة الثانوية، ما يعني نحو أربع سنوات".

ويحزنه أنه ترك وراءه أصدقاء كانوا يتمنون أن يغادروا مناطق الإدارة الذاتية من أجل تعليم أبنائهم. إلا أن لكل واحد ظروفه. بعض هؤلاء يعرّضون أنفسهم لخطر الاعتقال من جراء تعليم أبنائهم الكتب التي ألغتها الإدارة الذاتية، في محاولة لأن يكون أبناؤهم مستعدين لتقديم الامتحانات.

من جهته، يقول المدرس محمد.ح، وهو من الحسكة، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الإدارة الذاتية بدأت تفرض مناهجها على تلاميذ المرحلة الأساسية في المدارس الموجودة في مناطق سيطرتها منذ عام 2016. وخلال العام الحالي، بدأت فرضها على تلاميذ المرحلة الثانوية، ما يشكّل أزمة حقيقية للتلاميذ، الذين يدرسون منهاج الإدارة طوال العام، فيما يتقدمون للاختبار النهائي على أساس المنهاج الموضوع من قبل وزارة التربية في دمشق، وهي المخولة بمنح الشهادة الثانوية المعترف بها رسمياً عالمياً، التي ستسمح للتلميذ بإكمال دراسته في جامعة محلية أو دولية".

ويبيّن أن "الإدارة الذاتية استبدلت كتاب التربية الوطنية الذي يحتوي على فكر حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وأقوال بشار الأسد ووالده حافظ، بكتاب الأمة الديمقراطية، الذي يعلم أفكار وأقوال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. كما غيرت كتب التاريخ لتتناسب مع طروحاتها، فأدخلت عليها تاريخ الأكراد والسريان في سورية من وجهة نظرها، وأدخلت إلى كتب الجغرافيا خرائط فدرالية شمال سورية التي تسيطر عليها، ويطلقون عليها اسم روج أفا. وألغت كتاب التربية الدينية الإسلامية والمسيحية، وأدرجت كتاباً يحمل عنوان الثقافة والأخلاق، والذي يتحدث عن تاريخ الأديان بشكل عام".



ويلفت محمد. ح إلى أن "نسبة ليست بسيطة من مختلف مكونات المجتمع في مناطق الإدارة، سواء كانت أكراداً أو عرباً أو غيرهم، لا ترسل أبناءها إلى مدارس الإدارة، بسبب تسييس المناهج لصالح حزب كردي يحمل السلاح، وقد فرض نفسه بدلاً عن البعث، إضافة إلى صعوبة تعلم اللغة الكردية والخوف من أن تشكل عقبة للتلاميذ في حال أرادوا إكمال دراستهم في الجامعات السورية التي تعتمد اللغة العربية كلغة رسمية. ولا أحد يعترف بالشهادات التي تصدرها الإدارة، والتي لم تنجح بعد في جلب كادر علمي مهني لتولي مهمة التدريس، ويستعان بأشخاص لا يملكون مؤهلات علمية لازمة".

وكانت الإدارة الذاتية قد أغلقت في شهر يونيو/ حزيران في عام 2016، معاهد التعليم الخاصة في مناطق سيطرتها، وتوعدت بمساءلة المدرسين الذين يعطون دروساً خصوصية في المنازل، واتبعت إجراءات تهدف إلى تكريس فكرة الانفصال عن أرض الواقع.

وفي وقت سابق، أوضحت الإدارة في بيان صدر عنها في حينها، إنها تهدف إلى "عودة الوظيفة التعليمية والتربوية للمدارس"، متهمة المدرسين بتحويل العملية التعليمية إلى تجارية من خلال الدورات التعليمية في المدارس والمعاهد الخاصة. وأشارت إلى أن معظم المدرسين ما عادوا يولون اهتماماً بالتعليم في المدارس بغرض جذب التلاميذ للدروس الخاصة.





وقد سبق أن أصدرت الإدارة الذاتية في بداية مايو/ أيار الماضي تعميماً شمل كافة المدارس في مناطق سيطرتها، وأكدت فيه أنها ستضم المدرسين الذين يتقاضون رواتبهم من حكومة النظام إلى ملاكها، متعهدة بدفع رواتبهم. وأشار التعميم إلى أن تدريس مناهج الإدارة الذاتية الكردية يستثني صفوف الشهادة الثانوية فقط.

وتشمل التغييرات التعليمية الجديدة التي تفرضها الإدارة الذاتية، مدارس القامشلي والدرباسية والحسكة وعفرين، وتستثني تلك الموجودة في المربعات الأمنية التي يسيطر عليها النظام.
المساهمون