في ظل صعوبة المناهج التربوية العراقية، وعدم تأهيل المدرسين، يجد بعض التلاميذ أنفسهم عاجزين عن متابعة الدراسة، ما يدفعهم إلى التسرب. في هذا الإطار، يشكو خبراء من تردي المناهج التعليمية في البلاد
إحدى التداعيات السيئة لمرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تتمثل في انحدار المناهج التربوية والتعليمية في المدارس العراقية. وزادت معاناة التلاميذ خلال الأسابيع الأخيرة، مع اقتراب امتحانات نصف العام. ويشكو تلاميذ عراقيون من صعوبة المناهج، وتحديداً في مادتي الرياضيات واللغة العربية، معتبرين أنها لا تتناسب مع أعمارهم، لتضاف أزمة جديدة إلى الخيبات السياسية والمشاكل الاقتصادية والأمنية والخدماتية.
خلال السنوات الأخيرة، شهد العراق إهمالاً حكومياً لقطاع التربية والتعليم، ما أدى إلى تراجعه إلى أدنى مستوياته. وأظهرت وزارة التربية العراقية الخاضعة أصلاً لنظام "المحاصصة" في توزيعها على الأحزاب خلال الحكومات السابقة والحالية، أعلى معدلات الفشل والتخبط، بحسب مسؤولين عراقيين ومراقبين.
وكشف مؤشر ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ الصادر عن المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ في ﺩﺍﻓﻮﺱ 2015 ـ 2016، أن العراق خارج التصنيف الدولي لناحية جودة التعليم، وتغيب ﻣﻌﺎيير ﺍﻟﺠﻮﺩة الأساسية نتيجة الإهمال الحكومي. على الرغم من ذلك، لم يجد العراق استراتيجيات جديدة للنهوض بواقع التعليم، ما أدى إلى معاناة التلاميذ في البلاد، خصوصاً خلال العام الحالي، خصوصاً أن المناهج صعبة ولا تتناسب ومراحلهم العمرية، ما أدى إلى تدني درجاتهم خلال الامتحانات.
ويقول أحمد الأعظمي (37 عاماً)، من بغداد، لـ"العربي الجديد": "المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية شهدت خلال العام الحالي تغييراً ملحوظاً في المفردات، وباتت هناك مواد غير مألوفة بالنسبة لتلاميذ المراحل الأولى". ويوضح أن "كتاب الرياضيات للصف الثاني ابتدائي يحتوي على معلومات حسابية من كتاب الخامس ابتدائي، علماً أن هذا التغيير لم يكن متوقعاً من الأهالي. وهذه المواد والمناهج هي على درجة عالية من التعقيد". يتابع أن "التعديلات التي أجريت على المناهج أكبر من قدرة التلاميذ على الاستيعاب، كونها فائقة الصعوبة والتعقيد، ولا تنسجم مع المستوى العلمي والإدراكي لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات، الأمر الذي يدفعهم إلى ترك المدرسة".
إهمال
في السياق، يبيّن المشرف التربوي وسام الشمري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة العراقية أهملت النظام التربوي والتعليمي في البلاد، بعدما كان العراق الأول في الوطن العربي لناحية التعليم. وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي، صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" النظام التعليمي في العراق كأحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم.
ويتّفق رئيس جامعة النهرين العراقية نبيل كاظم، مع الشمري، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "المواد الدراسية الجديدة للتلاميذ في المراحل الأولية وتحديداً المرحلة الابتدائية، تحتوي على مصطلحات لا تتناسب مع المرحلة العمرية للتلاميذ، عدا عن تدني ثقافة بعض المدرسين العاجزين عن التعامل مع المناهج".
وتشير مديرة مدرسة القحطانية الابتدائية في الناصرية، جنوب البلاد، عبير محمود، إلى أن "خروج العراق من التصنيف العالمي لناحية جودة التعليم لم يأت من فراغ، إنما حدث بعد سياسات فاشلة تعاملت بها الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، وبعد الحملات الحكومية التي دمرت ولا تزال العديد من المدارس والجامعات، إضافة إلى التضييق على التلاميذ". تضيف لـ"العربي الجديد": "حين تعمل وزارة التربية العراقية على تغيير المناهج، لا تعمل على تأهيل المدرسين. وحين يشكو المدرس من صعوبة المادة، تقوم الوزارة بالإيعاز لتأهيل المدرسين لكن بعد فوات الأوان. وتنظم ورشات مدتها أسبوع واحد أثناء العام الدراسي، ما يؤثر على المدرسين والتلاميذ في آن. وفي النتيجة، لا تصل المعلومات إلى التلاميذ كما يجب".
عصا سحرية
إلى ذلك، يقول النائب في البرلمان العراقي حنين قدو، لـ"العربي الجديد": "مشكلة التربية والتعليم في العراق كبيرة ومعقدة، وتحتاج إلى عصا سحرية لحلها". يضيف: "البيئة التربوية تعاني من مشاكل كثيرة، وما زالت طريقة التدريس وتحفيظ التلاميذ قديمة ومرفوضة، في ظل التطور العلمي الحاصل. يفترض إعطاء التلاميذ مجالاً للتفكير وليس الحفظ. على سبيل المثال، فإنّ مادتي الرياضيات والعلوم لا تتناسب وعمر التلاميذ في المراحل الأولية. ويدرس تلاميذ الصف الثاني ابتدائي مناهج الخامس والسادس ابتدائي، ما يؤدي إلى ضعف الروح المعنوية للتلاميذ وخروجهم من المدرسة. نعمل في البرلمان على خطة لحل هذه المشكلة".
من جهته، يؤكد المتحدث باسم رئيس مجلس النواب العراقي، محمد سلمان، لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان في دورته الحالية يساهم بشكل كبير في الإشراف على عملية تعديل تغيير المناهج بما يتناسب مع المراحل العمرية للتلاميذ". وعن صعوبة مناهج المراحل الابتدائية في السنة الدراسية الحالية، يبيّن سلمان أنّ "التعديلات الأخيرة تتماشى مع التطور العلمي في العالم، ونريد لأطفال العراق مواكبة هذا التطور واللحاق بدول العالم والجوار بمناهج متطورة وحديثة".