مأساة الهجرة... أبواب مقفلة وأزمة تعهدات

24 يونيو 2017
الحلّ في دولهم بالذات (كريس ماكغراث/ Getty)
+ الخط -
وسط أسوأ أزمة لجوء في التاريخ الحديث، ما زالت دول أوروبية عديدة، بحجة الأمن الداخلي والتغيير الديموغرافي، تقف في مواجهة الاتحاد الأوروبي، رافضة استقبال حصتها من طالبي اللجوء المنصوص عليها في اتفاق عام 2015 الذي قضى بتوزيع 160 ألف طالب لجوء من مخيماتهم في كلّ من اليونان وإيطاليا لتخفيف العبء عنهما. هذا الرفض دفع بالمفوضية الأوروبية إلى المباشرة بمقاضاة دول كالمجر وبولندا وجمهورية التشيك، غيرالملتزمة بالاتفاق. ومن المنتظر أن تبتّ أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي في النزاع القائم الذي قد يستمر شهوراً وربما أعواماً. كذلك، قد يفرض الاتحاد على الدول في حال استمرت بعدم الالتزام غرامات مالية وعقوبات وربما إلغاء الدعم عنها.

معاناة في المجر

تشير التقارير إلى قيام المجر أخيراً، بعد مصادقة البرلمان، باحتجاز المهاجرين المتواجدين على أراضيها أثناء التدقيق بطلبات لجوئهم في المعسكرات على حدودها الجنوبية مع صربيا، بالإضافة إلى اتخاذها تدابير وترتيبات أمنية ولوجستية، منها تجهيز المئات من مستوعبات الشحن وتحويلها إلى مراكز إيواء بهدف فرض قيود الحد من تنقل المهاجرين بحرية في البلاد ولتخفيض الخطر الأمني بحسب إعلان المسؤولين. وهو ما كان محل إدانة من منظمات دولية كونه يتعارض مع التزامات حقوق الإنسان، إذ وصفت المنظمات ذلك بالأفعال المشينة والمهينة معتبرة أنّه يتسبب بآثار نفسية وجسدية وصحية جسيمة خصوصاً على الأطفال والنساء وكبار السن.

لم يقتصر الأمر في المجر على هذا الحد، بل لجأت السلطات أيضاً الى بناء سياج ذكي جديد مجهز بكاميرات ومجسمات حرارية لمنع عبور المهاجرين. كلّ ذلك دفع بالمفوضية الأوروبية إلى حث دول الاتحاد الأوروبي على عدم إعادة المهاجرين لديها إلى المجر عملاً باتفاقية دبلن، مؤكدة أنّ المجر بممارساتها تخالف القانون الدولي والأوروبي من خلال تعريض عشرات المهاجرين فيها للخطر والاحتجاز. وهو ما أشار إليه المفوض الأوروبي فيليبو غراندي، ما دفع في ما بعد ألمانيا إلى الالتزام بالمطلب الأوروبي معلقة نقل المهاجرين الذين تقدموا أولاً بطلبات لجوء في المجر.



في هذا الإطار، أعلن المتحدث باسم الداخلية الألمانية أخيراً أنّ السلطات في ألمانيا تريد تأكيدات من بودابست أنّها ستحترم التوجهات الأوروبية العامة التي تتعلق بطريقة استقبال المهاجرين، علماً أنّ ألمانيا التي أعلنت تعليق عمليات الاستقبال بشكل مؤقت كانت نقلت في وقت سابق 294 مهاجراً إلى المجر حيث جرى توزيعهم في مخيمات مغلقة.
من جهتها، تطالب النمسا بفرض رقابة صارمة وإغلاق طريق المتوسط للحد من وصول المهاجرين، وهو ما أكد عليه أخيراً وزير خارجية النمسا سيباستيان كورس. فقد أشار إلى أنّ الحلّ الوحيد هو قطع طريق المتوسط بعد إغلاق طريق البلقان، وذلك لوقف عمل المهربين وإنهاء الموت غرقاً في صفوف المهاجرين. كذلك، طالب بسحب جميع من يجري إنقاذهم من المتوسط إلى مراكز الاستقبال في تونس مؤكداً أنّ اقتراح إعطائهم حق الحماية بتقديم طلبات اللجوء ليس الحلّ لأنّ ذلك سيكون عامل جذب للناس من جميع أنحاء أفريقيا، وبذلك، يجب اعتماد برامج إعادة توطين، أي أن يجري اختيار مهاجري الحرب من مناطق الأزمات عبر منظمات دولية ونقلهم إلى أوروبا.

عقوبات

يطالب مسؤولون أوروبيون بضرورة فرض عقوبات وحرمان مالي بحق الدول التي لا تريد الالتزام بتعهداتها. وهو ما عبر عنه صراحة رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني. ترفض جمهورية التشيك ذلك بحسب وزير داخليتها ميلان خوفانيتس. فقد أشار إلى أنّ سلطات بلاده لا تنوي استقبال المزيد من المهاجرين من مراكز الإقامة في اليونان وإيطاليا، وفقاً لبرنامج إعادة توزيع المهاجرين. يعزو ذلك إلى أسباب وتهديدات أمنية داخلية. أقرّ الوزير أنّ بلاده مهددة حالياً بعقوبات مالية من الاتحاد الأوروبي لكنّه أكد في الوقت نفسه أنّه ليس من الممكن السماح للمهاجرين بالدخول من دون تدقيق. سانده في هذا الرأي رئيس حكومة التشيك يوغوسلاف سوبوتكا بقوله أخيراً: "هناك خلل في نظام الحصص ولن نشارك في ذلك".

تجدر الإشارة إلى أنّ الاتفاق الأوروبي الذي اعترضت عليه دول المجر وسلوفاكيا ورومانيا والتشيك يفرض على الأخيرة استقبال 2679 مهاجراً، وهي لم تستقبل غير 12 فرداً فقط منهم.



بحسب المفوضية الأوروبية فقد جرى نقل 16300 طالب لجوء من اليونان وإيطاليا إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى عملاً باتفاق 2015 الذي نص حينها على أهمية إعادة توزيع 160 ألف طالب لجوء خلال عامين، وهو ما لم تلتزم به أكثرية الدول الأوروبية حتى اللحظة. وقد دفع ذلك بالمفوض الأوروبي المكلف بالهجرة ديمتريس أفراموبولوس إلى إطلاق صرخة في وجه دول الاتحاد مشدداً على أنّ عليها واجباً إنسانياً وأخلاقياً وسياسياً وقانونياً يتمثل بالالتزام بنقل أعداد إضافية من طالبي اللجوء الذين ما زالوا يعانون في اليونان وإيطاليا. وبحسب التقارير، لا يستفيد حالياً من هذا الإجراء سوى السوريين والإريتريين، ويمكن أن يستفيد منه نحو 17500 شخص من بينهم 3500 في إيطاليا بحسب المفوضية الأوروبية.

منظمات ناشطة

تدافع منظمات إنسانية أوروبية عن أحقية هؤلاء الوافدين في التقدم بطلبات لجوئهم والتحقق منها، وأن تكون هناك سياسة جديدة وحكيمة للهجرة بالتوازي مع نظام عصري للعمال المهرة من الذين سيرسلون الأموال بدورهم إلى بلدانهم وربما نقل الخبرات والمهارات الجديدة إليها مستقبلاً. هذا الأمر كان محل تأييد في العاصمة الإسبانية مدريد حيث خرجت نهاية الأسبوع الماضي وعشية اليوم العالمي للاجئين (الثلاثاء الماضي) تظاهرة تطالب الحكومة بالوفاء بالتزاماتها التي قطعتها أمام الاتحاد الأوروبي واستقبال 17 ألف مهاجر. ورفع المتظاهرون شعارات "جسور لا جدران".

في المقابل، يلفت خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية إلى أنّه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإنّ ترك إيطاليا وحدها في ظل الآثار المترتبة على حدودها البحرية المفتوحة، وهي التي تتحضر لانتخابات في الخريف المقبل، يعني الانتصار الأول الكبير للشعبويين في أوروبا، لأنّ وصول مئات آلاف المهاجرين إلى إيطاليا لن يضعفها وحدها بل سيضعف كلّ أوروبا.

دعم أفريقيا

يعتبر خبراء أوروبيون في شؤون الهجرة أنّ سياسة دفن الرؤوس في الرمال مع أفريقيا، وهي التي تصدّر أكبر عدد من المهاجرين إلى أوروبا، لم تعد تنفع. يشيرون إلى أنّ المطلوب حماية حدود القارة الأوروبية والبدء جدياً بالاستثمار في القارة السمراء، فهذا من شأنه أن يستهدف الفئة الأضعف ويخلق فرص العمل، عبر تقديم الدعم لأفريقيا وتنفيذ التعهدات والالتزامات لدولها ومنها السنغال وتونس والمغرب ورواندا وساحل العاج وغيرها. يتابعون أنّ جميع هؤلاء الناس من الممكن أن يشكلوا أملاً للمستقبل أو خطراً كبيراً إذا لم يتلقوا دعماً. هذا ما حذر منه وزير التنمية الألماني غيرد مولر: "الوضع في أفريقيا سيكون حاسماً بالنسبة إلى مستقبل العالم" محذراً من وصول 100 مليون شخص في حال عدم الحد من الاحتباس الحراري ومواجهة الأزمات.

يشار إلى أنّ أفريقيا التي تعتبر في طور النمو، من المتوقع أن يصل عدد سكانها بحلول عام 2050 إلى 2.5 مليار نسمة. وبالتالي، من المطلوب الاهتمام والاستفادة من قوة أسواق أفريقيا من خلال استراتيجيات بعيدة المدى. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الوحيد في العالم الصناعي القادرعلى الوصول إلى أفريقيا، فطبقاً لحسابات الباحثين في أمور الهجرة فإنّ كلفة المهاجر في أوروبا تفوق 130 مرة كلفة تقديم المساعدة وتأمين فرصة عمل له في بلده، علماً أنّ أمل كلّ فرد بحياة أفضل في أوروبا مفهوم جداً، لكن ينبغي أن يكون الطعام متوفراً في ظل المجاعة والتصحر التي تعاني منها القارة. وهو ما كان في صلب اهتمامات قمة مجموعة العشرين الأخيرة للشراكة مع أفريقيا، بهدف تعزيز التعاون من أجل نمو اقتصادي دائم للدول الأفريقية، فقد خلصت إلى ضرورة وقف العنف وحلّ الأزمات ومكافحة الفساد في تلك الدول وخلق فرص العمل وزيادة الاستثمارات ورفع مستوى البنية التحتية وخلق الظروف المؤاتية للتنمية والتدريب.

المساهمون