رحلة ناشطة سورية مهجرة من الزبداني إلى إدلب

17 ابريل 2017
لحظات التهجير العصيبة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


لا تتوقف دموع الناشطة السورية المهجرة التي تطلق على نفسها اسم "أم ربيع الزبدانية"، والغصة لا تفارق حنجرتها منذ بدأت حزم أمتعتها لتخرج تاركة أحلامها المتشبثة بأرض الزبداني، وما زال يتردد في أذنيها صدى هتافات المظاهرات المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة التي شاركت فيها بدايات 2011.

تجلس لتشرب فنجاناً من القهوة مع قطع من الحلويات على شرفة منزل تقيم به، وأمامها إطلالة ربيعية جميلة، حيث الخضرة تغطي الأرض. منذ زمن لم تحظ الناشطة السورية المهجرة من مضايا بريف دمشق إلى إدلب، بمثل هذه الجلسة أو المشروب أو المأكل.

تقول أم ربيع: "لا يمكنك أن تعي معنى أن يتم إخراجك من بيتك وأرضك لأنك تجرأت على رفع صوتك للمطالبة بحريتك وكرامتك، ما حدث أقل ما يقال عنه إنه تهجير قسري لم يكن لنا رأي فيه أو علم بترتيباته، ولكننا استفقنا على خيارين: إما البقاء تحت سطوة النظام أو قبول التهجير".

وبينت أن "رحلة تهجيرهم كان بها كثير من القهر والخوف، بدأت مع وصول الحافلات إلى مشارف مضايا؛ حزمنا أمتعتنا وتوقعنا أن نخرج سريعا، لكن مرت أربعة أيام قبل أن يبدأ التحرك، كانت أياما صعبة جدا. عشنا على أعصابنا، ففي أي لحظة قد ينادون بالجامع للتوجه إلى الحافلات، أو يلغى الاتفاق. سبق أن ألغي أو أجّل أكثر من مرة".

وتابعت "نادى الجامع أن الخروج سيكون عقب صلاة الفجر، تجمعنا وبدأنا الصعود إلى الحافلات، لكن فوجئنا أن الشباب الموجودين في الزبداني والجبل الشرقي لن يصاحبونا، كانت الصدمة الثانية، فنحن خرجنا لنحافظ على حياتهم، عندها أعلن الأهالي رفض الخروج دون الشباب، لكن اتصالات جرت معهم وتم الاتفاق على عدم تعطيل الاتفاق على أن يلتحقوا بنا، ركبنا والدموع تملأ عيون النساء ووجوه الرجال قاتمة".

حواجز النظام


وأضافت "تحركت الحافلات في الشوارع شبه الخالية، وصلنا إلى أول حاجز للنظام عند قوس مضايا، تفاجأنا بالربيع. كانت الأرض خضراء، مشهد لم نكن نراه في مضايا ولا نعلم لماذا، صعد الحافلة عسكري من قوات النظام، كان اللقاء الأول لنا بأحدهم منذ زمن، أخذ عدد النساء والأطفال والرجال، ولم يفتش بعكس ما كنا نتوقع، واستأنفت الحافلات مسيرها".

ولفتت إلى أن "مزيجاً غريباً من المشاعر كان يعصف بنا، وإن طغت مشاعر القلق، فقد كنا منذ زمن مسجونين، واليوم نمر على حواجز النظام المرتبطة لدينا بالموت والقهر، كان بعض عناصر النظام يصعدون إلى الحافلة ويكتفون بالنظر إلينا، وكان باقي العناصر في الأسفل يوجهون لنا الإهانات عبر الشتم أو البصق أو رفع أحذيتهم بوجوهنا، كانت أعدادهم كبيرة وكأن لديهم أوامر أن ينتشروا على الطريق، لا أعلم لماذا؟ قد يقصدون إرهابنا، أو أن النظام أراد أن يرفع من معنوياتهم، مصوراً تهجيرنا انتصاراً له".

وتابعت أم ربيع: "تقطعت قلوبنا في الرحلة التي استغرقت نحو 40 ساعة، توجهنا من تلبيسة إلى خناصر، فطريق قلعة المضيق لم يكن سالكاً بسبب الاشتباكات، ووصلنا إلى الراموسة في حلب، كنا في كل منطقة نتعرف عليها بلحظتها، فلم يتم إخبارنا بخط السير، وفي الراموسة علمنا أن نقطة التبادل ستكون في منطقة الراشدين".

تستأنف حديثها قائلة "هناك علمنا أن التجار شركاء حزب الله والنظام، وعدداً من شبيحة مضايا، أطلقوا الرصاص احتفالاً بدخول لجنة المصالحة وعدد من القوات النظامية إلى المدينة، كان ذلك مؤلماً جداً، كيف تحتفلون بمن قتل أبناءكم وجوّعهم، شكرت الله أنني لم أشاهد مشهداً مماثلاً في مدينتي".

وتضيف "في الراموسة انتظرنا لساعات طويلة، كانت الأخبار والشائعات تهطل علينا كالمطر، بين أن أهالي الفوعة أكثر من العدد، أو أن المسلحين أقل من المتفق عليه، لكن ما صعقنا كان خبر التفجير في الراشدين، حينها كانت لدينا قناعة أننا أصبحنا بحكم الأموات، كان هناك من يؤكد الخبر وهناك من ينفي، ومنعونا من الخروج من الحافلات، كنت أستشهد على روحي، وصلت إلى لحظات كنت مقتنعة أن اليوم هو الأخير في عمري".

وتتابع "تحركت الحافلات أخيراً، وقبل وصول الراشدين بقليل طلب منا إطفاء الأنوار وإسدال الستائر، كان الخوف مسيطراً، لكننا مررنا من نقطة التبادل دون أن يتم إيقافنا، علمنا أن السبب كان عدم رؤيتنا لمنطقة التفجير، حيث كانت الجثث منتشرة على الأرض".

وعن لحظة الوصول إلى إدلب، قالت "لدى وصولنا إلى إدلب، احتفل بنا أهلها، وتم إطلاق النار ابتهاجاً بنا، شعرت أن الخوف زال، كان هناك شباب ونساء يستقبلوننا بلهفة ومودة"، مضيفة "إدلب جميلة وخضراء، ويبدو أن بها حركة نشطة، لكني أود لقاء أبنائي الذين حرمت منهم منذ أكثر من عامين، وتركيا أغلقت حدودها، لا أعلم كيف لي أن أصل إليهم، هذا ما يشغلني اليوم".

دلالات
المساهمون