المهاجرون العراقيون شتات يجمعه الإنترنت ليلا

06 فبراير 2017
الانترنت يقرّب المسافات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -



يبدي الحاج شاكر الراوي امتنانه الكبير لأن تقنيات الاتصال الحديثة تجعله يجالس ولديه ويحدثهما بالصوت والصورة، رغم مئات آلاف الأميال الفاصلة بينهم.

الراوي الذي رضخ لفراق ولديه حفاظاً على حياتهما، يتمنى رؤيتهما وإن كان لساعات قليلة، فهو يشعر باقتراب موته بسبب الأمراض، خاصة بعد تعرّضه للتعذيب في عام 2004 على يد جنود أميركيين، واعتقاله مع مجموعة من أقاربه.

لكن رغم أذى الفراق واشتياق الراوي لولديه، يصرّ على أن يظهر لهما وهو يحدثهما بمظهر القوة، كما يطلب منهما عدم العودة في الوقت الحالي إلى البلاد، فهما يتابعان دراستهما في ماليزيا، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "الوضع ما زال غير آمن في العراق، وأنا أفضّل أن أموت شوقاً، وهما على قيد الحياة على أن يتعرضا لأذى بمجيئهما".

ولدا الحاج الراوي ليسا من المطلوبين للقضاء، ولا ينتميان إلى جماعات إرهابية، لكنهما كانا سيقتلان بعد تهديد تلقاه والدهما في عام 2010، بالتخلي عن مشروع حظيت به شركته لصالح شركة تعود لأحد المتنفذين الذين تدعمهم مليشيات.

أمثال الحاج الراوي كثر، يمنعون أولادهم من العودة إلى البلاد، ويرون بحسب تأكيدهم لـ"العربي الجديد" أن لا مكان آمنا في بلدهم يوفر لهم الاطمئنان، وهمهم أن يحافظوا على أبنائهم الشباب، الذين يرونهم وقوداً للموت المستمر الذي يأتي عبر سيارات ملغمة وعبوات ناسفة وعصابات مجهولة ومليشيات "طائفية".

بدورها، ساجدة عبد الرحمن (58 عاماً)، تعهدت لولدها الوحيد منقذ، أن تمده بما يكفيه لمعيشة جيدة، على أن يبقى خارج البلاد.

وسائل التواصل على اختلافها تقرب البعيد (أحمد الربيعي/فرانس برس) 



منقذ، وجد في الشام ملاذاً آمناً أيام العنف الطائفي الذي ضرب البلاد(2006-2009)، بعد اختطاف ابن عمه الذي وُجد بعد يومين جثة هامدة على قارعة طريق، كما قتل خاله وأبيدت عائلة ابن خالته، وكل ذلك لدوافع طائفية.

الرعب من أن ينال "الطائفيون" من ابنها، دفع ساجدة لترحيله إلى سورية، كما فعل آلاف العراقيين حينها، فهو الابن الوحيد وسط خمس بنات. لكن بعد نشوب الحرب في سورية في عام 2011، فضلت ساجدة أن تبحث لولدها عن مكان أكثر أمناً، فاختارت تركيا.

وتقول لـ"العربي الجديد" "أنا لا أريد لولدي أن يبتعد كثيراً عن أرض الوطن، تركيا قريبة من العراق، كما أني أذهب لزيارته باستمرار. نرسل له مبلغاً من المال كل شهر، لكي يبقى مستقراً ولا يحتاج لشيء". وتضيف "أعيش مع منقذ اليوم بكل تفاصيله، الفضل لـ "واتسآب"، و"فايبر"، و"فيسبوك"، ذلك يشعرني أنه معي".





ومنقذ، وفقاً لوالدته، يشبه والده العقيد السابق في الجيش العراقي، الذي قتل بطريقة غامضة في 2005، لتكتشف بعد موته أنه كان على قائمة المطلوب تصفيتهم من الضباط وأصحاب الكفاءات.

قائمة المطلوبين كانت تشمل ضباطاً لعبوا دورا في الحرب مع إيران، بالإضافة إلى كفاءات من علماء وأساتذة وأطباء ومهندسين وغيرهم، وضعت ضمن مخطط يتهم العراقيون إيران بالوقوف وراءه.

ساجدة وغيرها، يعتبرون أن مخطط القتل ما زال مستمراً،  فستار النوري، فضّل أن يكمل أولاده الثلاثة دراستهم في خارج البلاد، وشجّع بناته الأربع وأزواجهن على السفر والعمل خارج العراق، وأن لا يعودوا "حتى تتغير الأوضاع".

وسائل الاتصال تكسر حاجز الفراق (وثيق خزاعي/getty) 



النوري، وهو مهندس متقاعد، يوضح لـ"العربي الجديد" أن أصدقاءه كانوا ضباطاً وأساتذة جامعيين وأطباء، "غيّروا طريق حياتهم الذي رسموه منذ شبابهم، وحققوا فيه نجاحات باهرة، بسبب الطائفية التي حلت بالبلاد بعد غزوها".

ويقول "قتل أربعة من أصدقائي، وآخرون هاجروا مع عوائلهم، وبعضهم سَفَّروا أولادهم، وتركوا أعمالهم وجلسوا في بيوتهم. منهم من تلقى تهديدات، وآخرون علموا أن الوضع العام لم يعد صالحاً ليكملوا مسيرتهم التي ختموها قبل أوانها".

وتابع النوري "بالنسبة لي، أقضي الوقت في المطالعة ومتابعة الأخبار عبر المحطات الفضائية، ولم يبق في بيتنا الكبير الذي كان يحوي أولادي وبناتي السبع، سوى أنا وزوجتي. نحن سعيدان لأن أولادنا وبناتنا وعوائلهم خارج البلاد، وأجد متعة عندما نتحدث يومياً وأراهم عبر الإنترنت".

ويبقى العراق متذيلاً قائمة البلدان الأسوأ معيشياً، بسبب الحروب والصراعات المختلفة، الجرائم التي ترتكب بحق مدنيين لدوافع طائفية.



المساهمون