صفوف اللغة الألمانية حاجز قاسٍ أمام اللاجئين

21 نوفمبر 2017
بعضهم لا يجد معنى لوجوده هنا (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -

ألمانيا تفرض على اللاجئين تعلّم اللغة قبل الانخراط في سوق العمل. اللغة التي تقدّم في مدارس متخصصة تبدو مستحيلة الفهم بالنسبة إلى كثيرين ممن يرغبون في مباشرة مهنهم والاندماج في المجتمع من دون هذا الشرط القاسي.

لم يكن أمام حسام، وهو لاجئ أربعيني وصل إلى ألمانيا في صيف عام 2015، من خيار سوى الاستجابة إلى طلب مكتب العمل والتوجّه لحضور صفوف اللغة الألمانية التي يزورها خمس مرات في الأسبوع، علّها تسهّل له مهمة الانخراط في سوق العمل بعد البتّ في طلب لجوئه.

حاول حسام مراراً التهرب من عبء زيارة هذه الصفوف وتعلّم لغة جديدة صعبة بالنسبة إليه، بحسب ما يصفها. تذرّع مرات بالمرض ومرات أخرى بتحضيرات الانتقال إلى شقة كونه كان يقيم في البداية في مركز لإيواء اللاجئين. يقول: "أنا مقتنع تماماً أنّ مهنتي لا تتطلب مني معرفة اللغة، كما أنّ في إمكاني تعلم اللغة الألمانية من خلال تواصلي مع الناس ومع صاحب العمل". في نهاية المطاف، رضخ للأمر الواقع مرغماً، أملاً في الحصول على فرصة ممارسة مهنته التي يحبّها، وهي ميكانيك السيارات التي تعلمها وهو في سن المراهقة ويمتلك خبرة تزيد على عشرين عاماً فيها.

يسرد حسام لـ"العربي الجديد" قصته مع صفوف اللغة التي تضم كلّ مجموعة منها نحو 15 شخصاً، ويتولّى المدرسون تعليمهم الحروف والكلمات وقواعد اللغة، ليتوقف عند الحال داخل قاعة التدريس. الأكثرية من المشاركين في هذه الصفوف هم من اللاجئين العرب والأكراد، والأحاديث تجري في ما بينهم باللغة الأم بالرغم من إرادة المدرس، فضلاً عن الأحاديث الجانبية التي تعكّر الجو داخل الصف، ما يجبر المدرس على التوقّف عن الشرح عشرات المرات ليطلب من كثيرين عدم اللهو بأحاديث جانبية عادة ما تكون خاصة، ومنها ما يتعلق بالأولاد والطبخ ولمّ الشمل والوضع في سورية مثلاً والأقارب والمشاكل العائلية والبحث عن منزل للإيجار وغيرها من الأمور.

بعد مرور عامين على وجوده في البلاد تعب حسام من هذا الوضع الذي يصفه بالمعاناة: "مكاني في ورشة الميكانيك. الوضع هنا مملّ، وبالفعل أصبت بالإحباط". يؤكد أنّ في إمكانه أن يخدم ألمانيا ويستغني عن المعونة الاجتماعية التي تعطى له بمجرد إفساح المجال أمامه في إثبات قدراته في مهنته التي يبرع فيها، لكنّه مع ذلك يدرك أنّ ثمة كثيراً من التعقيدات انطلاقاً من كون الألمان يفرضون على أمثاله الحصول على شهادات علمية وشهادات خبرة وغيرها من الشروط قبل أن يتمكّن من البحث عن فرصة عمل بدوام كامل تؤمن له مدخولاً جيداً يسمح له بتطوير حياته في بلد يتساوى فيه الناس في الحقوق والواجبات قانونياً.




هذا الواقع يعاني منه زميله مهند كذلك، ومهنته النجارة. يسأل هو نفسه بخصوص وضعه: "نحن أصحاب مهن، فكيف لي وأنا لم أتجاوز الصف السادس في بلدي سورية أن أفهم قواعد اللغة الألمانية كي أتحدث مع صاحب العمل وزملائي!؟". يضيف لـ"العربي الجديد": "أخجل من نفسي ومن الوضع الذي أعيشه هنا في المركز. هناك العديد من الفئات العمرية داخل الصف الواحد، منهم الشبان والفتيات والكهول والنساء، حتى إنّ هناك من تجاوز سن الخمسين، وهو ما يجعل الصف غير متجانس". يتابع: "المعاناة هي نفسها بالنسبة إلى الجميع، والأمل ضعيف في تحقيق شيء ما هنا. نريد الانخراط في سوق العمل لنثبت أنفسنا في المصالح (المهن) التي خبرناها على مدى سنوات". يتوافق مع حسام في رأي مشترك يقول: "في ألمانيا كثير من التطور وبالطبع فيها معدات وآلات حديثة، إنّما نحن أبناء المهنة ويمكننا التكيّف بسرعة مع طبيعة العمل والجو العام الجديد. لذلك، لا نعتقد أنّ الأمر يتطلب منا أكثر من تعلم المصطلحات الخاصة بالمهنة، وهو ما لا يمكن اكتسابه في الصفوف التعليمية، بل في الممارسة المهنية".

عن طريقة تعامل إدارات مدارس صفوف اللغة مع أصحاب المهن، يشرح حسام أنّه جرى استدعاؤهم قبل فترة فملأوا استمارة خاصة بالمهن أو الحرف التي يتقنونها مع تحديد الخبرة وما إذا كان ثمة من إمكانية للعمل في مجالات أخرى: "لكن حتى اليوم ليس هناك أيّ رد إيجابي بهذا الخصوص". يلفت إلى أنّ "الأمور لدى كثيرين باتت لا تُوحي بالثقة بالمستقبل، فوضعهم داخل البلاد إذا ما استمر الأمر على هذا المنوال سيكون عصيباً". يتابع: "أقصد صف اللغة خوفاً من حسم نسبة من المعونة الاجتماعية الخاصة بي، وبتّ على قناعة أكثر أنّه لا إمكانية لتحسن لغتي بسبب صعوبة اللغة الألمانية، بالإضافة إلى عدم تلقينا أيّ عون في المنزل من أجل أداء الفروض، وغالباً ما نعود إلى المدرسة في اليوم التالي من دون إنجازها".

يتمنى الصديقان أن يتمكّنا من تجاوز هذه المرحلة والحصول في أقرب وقت ممكن على فرصة عمل تمكّنهما من مساعدة عائلتيهما. يعتبران العمل الوسيلة الوحيدة التي تسهّل عليهما الاندماج بشكل أسرع وأسهل في المجتمع الألماني.
دلالات
المساهمون