ماضٍ وحاضر ومستقبل

03 أكتوبر 2017
أين يقع ذلك الحلم؟ (راي تانغ/ الأناضول)
+ الخط -
تقلّب صوراً لك عمرها سنوات فيعتريك ذلك الحنين إلى الماضي في ما كان عليه من صفات تغدقها عليه كلّما اشتدّ الحنين حتى يبدو زمناً أسطورياً يعيش فيك وحدك، ولا يحتمل غيرك وجوده على الهيئة التي استعدته بها.

تغوص أبعد لتصل إلى نقطة تعتبر فيها أنّك كنت أكثر سعادة وراحة وانطلاقاً ونجاحاً في زمن تلك الصورة عمّا أنت عليه اليوم. تقع الصدمة إذ تضع المقارنة وتغدق على ذلك الزمن محسّنات تصل إلى حدّ الأسطرة كي تتخذه نقطة مرجعية لما يجب أن يكون عليه مستقبلك.

ببساطة، قد تكون صعوبة حياتك الحالية وانعدام أفقك المستقبلي سببين بديهيين لجعلك تغرق في ذلك الماضي "السعيد" بدلاً من التقدم إلى المستقبل. لكن، من يعتب عليك، ومن يجلدك غير أولئك المؤمنين أشدّ الإيمان بمقولة من نوع "من جدّ وجد ومن زرع حصد"، متغافلين عمّا يملكون من أسباب وظروف توصلهم إلى ذلك الحصاد؟

جميعنا نملك تلك الأحلام عن أجمل وأعذب وألمع وأكبر وأرفع وأكثر وأبعد وأوسع وما تحتويه صيغة التفضيل من أفعال نشخصنها في أمنيات بعضها يحتك بالواقع وأكثرها لا يعرف من الواقع حتى رائحته. البعض لا يبتعد حلمه عن ماديات واجتماعيات وملكيات بسيطة كأن يكون بجسد رياضي، أو يتمكن من شراء سيارة أو حتى شقة (وبالمناسبة هو من أكبر أنواع الهوس المَرَضي في لبنان) أو بالانتماء إلى مجموعة من الأصدقاء فحسب.

لكنّ البعض الآخر يتجاوز تلك الأمور التي يملكها أساساً. هو لا يحلم بالحصول على ساعة يد ثمنها خمسون ألف دولار، ولا إلى حجز جناح في فندق بـ20 ألف دولار لليلة الواحدة. هو يملك تلك الساعة ويمكنه متى شاء أن يحجز الفندق بأكمله. حلمه لا يعيش في ذكريات زمن سابق، فهو يملك إمكانية تغيير الحاضر والمستقبل ونسف أيّ ماض له يمكن أن يشوش على تقدمه.

تتيح الثروة للبعض أن يحلموا بزيادتها إلى أبعد حدّ مثلاً، فلمَ لا يكون ممّن يدخلون إلى قائمة تلك المجلة لأغنى أغنياء المنطقة وأغنى أغنياء العالم؟ ولمَ لا يوظف ثروته تلك ليحظى بمنصب سياسي مرموق تهتف له الجماهير: "بالروح بالدم نفديك يا فلان"؟ ولمَ لا يطوّع الجماهير بسلطته ويطلق الأحكام ويرسخ المعايير ويحدد القيم بما يراها - وتراها ثروته - مناسبة، وما على الجماهير إلا الطاعة؟ هو حقه في الحلم وحقه في الوصول إلى تحقيق ذلك الحق، فالهاتفون كثر يشدّون على يده ويحلفون بحياته ويفتدونه بدمائهم وأرواحهم.

في النهاية هما طرفان: أقلية قادرة على فتح المستقبل وطرح الماضي بأكمله، وأكثرية تنشدّ إلى الماضي علّها تجد فيه ازدهاراً خيالياً تفتقده في واقعها الاجتماعي.

المساهمون