السعودية تخصخص صحتها

09 يناير 2017
لن يكون الأمر في صالح القطاع ككلّ (فرانس برس)
+ الخط -
تتّجه وزارة الصحة السعودية نحو خصخصة القطاع الصحي في البلاد خلال السنوات الأربع الأخيرة، وذلك من خلال بيع المنشآت الصحية للقطاع الخاص وتفعيل التأمين الصحي للموظفين بحسب المعمول به في معظم دول العالم، مع الإبقاء على عدد من المستشفيات الرئيسية للمواطنين غير القادرين على التزوّد بتأمين صحي.

أولى الخطوات كانت من خلال توقيع الوزارة عقداً شاملاً مع إحدى شركات التأمين الطبي، لإدراج مرافقها الصحية على قوائم المرافق التي يغطيها التأمين. وبناء على تلك الاتفاقية، سوف يكون من حق من يملك بطاقة تأمين - سواء أكان سعودياً أم مقيماً - تلقّي العلاج في المستشفيات الحكومية عند رغبته، على أن تحصّل وزارة الصحة تكاليف العلاج لاحقاً من شركة التأمين. وهي المرّة الأولى التي يُسمح فيها لغير السعوديين بالعلاج في المستشفيات الحكومية، إذ إنّ نظام العمل يُلزم جهات عملهم بالتأمين الصحي عليهم. وتكشف مصادر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، أنّها تعمل على توسيع دائرة شركات التأمين التي توقّع معها اتفاقيات، لإدراج كل مرافقها الصحية على القوائم التي يغطيها التأمين.

ويُعدّ خبراء في وزارة الصحة السعودية ذلك أولى خطوات تخصيص القطاع الصحي في البلاد، إذ تعتزم وزارة الصحة تنفيذ الخصخصة على ستّ مراحل تستغرق ثلاث سنوات. ومن المتوقّع تطبيق المرحلة التأسيسية في مدينة جدة نظراً إلى توفّر مقوّمات الخصخصة فيها، إذ ثمّة مستثمرون كبار في القطاع الصحي الخاص تتوفّر لديهم الخبرات المتراكمة في إدارة القطاع.

وتسعى الوزارة إلى تمليك الشركات الطبية أصول المرافق الطبية، حتى توكل عملية تشغيل تلك المرافق الصحية والمستشفيات إليها، خصوصاً تلك التي لديها خبرة مسبقة في السوق السعودي، كالشركات الأجنبية التي شغّلت مستشفيات الحرس الوطني والعسكري، فيما يقتصر دور وزارة الصحة على الإشراف والرقابة.

ويأتي ذلك بعد أيام من إقرار الوزارة إغلاق المستوصفات في المستشفيات الحكومية والاكتفاء بصرف الأدوية عن طريق المستوصفات الخاصة. وهو قرار تشير الوزارة إلى أنّه سوف يوفّر عليها نحو نصف مليار ريال سعودي (نحو 140 مليون دولار أميركي) سنوياً، أي ثمن الأدوية التي تنتهي صلاحيتها من دون الاستفادة منها، إلى جانب رواتب أكثر من 12 ألف صيدلي يعملون في مستشفياتها، ثلاثة أرباعهم من غير السعوديين.

إلى ذلك، رجّحت مصادر مطّلعة أن يستفيد الأطباء من الخطوة بعد ضمّهم إلى نظام التشغيل الذاتي الذي يجنّبهم نظام الخدمة المدنية الذي حدّد رواتبهم بصورة كبيرة، وجعلهم الأقل أجراً في دول الخليج. لكنّ المخاوف تطاول المرضى غير القادرين على الحصول على تأمين صحي، كذلك فإنّ التأمين لا يغطي كلّ الأمراض والإصابات، وهو الأمر الذي يجعل الرعاية الصحية قاصرة. يقول الدكتور محمد البشري، إنّ "مميزات كثيرة سوف تكون لفائدة الأطباء، لكنّ مرضى كثيرين سوف يتضررون، خصوصاً أنّ شركات التأمين لا تعالج كلّ الأمراض".



ويشدّد لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة الإبقاء على مستشفيات حكومية لعلاج المرضى غير القادرين". ويوضح أنّ "الأطباء سوف يستفيدون بالتأكيد من المزايا والرواتب المرتفعة بعد الخصخصة، لكنّ العاملين الباقين في القطاع سوف يحصلون على مزايا أقلّ، لا سيّما أنّه من المتوقّع أن تعمد المستشفيات إلى توظيف الوافدين مثل أيّ قطاع سعودي آخر جرت خصخصته. فهي في نهاية المطاف شركات تبحث عن الربح عبر تقليل الأجور". يضيف أنّ "كثيرين من العاملين في القطاع الطبي سوف يتضررون، إذ يفقدون الأمان الوظيفي والبدلات والإجازات التي كانوا يحصلون عليها. ولن يكون هذا في صالح القطاع، عموماً".

من جهته، يلفت المتخصص في الشأن الصحي السعودي والطبيب السابق محمد العنقري، إلى أنّ "عملية خصخصة القطاع الصحي بالكامل أمر غير ممكن. فالصحة أمر جوهري". ويقول لـ"العربي الجديد": "قد تكون خصخصة القطاع جيدة للوزارة على أن تكون هي المشرفة عليه. فمن شأن ذلك أنّ يخفّف كثيراً من الأموال التي تُصرَف على المستشفيات والتي بلغت في آخر ميزانية للدولة نحو 140 مليار ريال (أكثر من 37 مليار دولار). لكن لا يمكن القبول بنظام التأمين بصورته الحالية، إذ يستثني إصابات وأمراض كثيرة معتمداً على أنّ وزارة الصحة السعودية هي التي تعاجلها". ويسأل: "في حال جرت خصخصة لكل المستشفيات واعتماد للتأمين الطبي، فما هو مصير مرضى نقص المناعة وفيروسات الكبد والألزهايمر وضحايا الحوادث المرورية وغيرها من الأمراض والحالات التي لا تخضع للتأمين الطبي؟". يضيف: "في تصوّري، لا بدّ من إعادة هيكلة التأمين الطبي، قبل البدء بهذه العلمية. لا يمكن الاعتماد عليه وهو يستثني عدداً كبيراً من الأمراض".

تفيد إحصائية حديثة لمجلس الضمان الصحي التعاوني بأنّ عدد الجهات المعتمدة التي تقدّم خدمات الرعاية الصحية في السعودية هو ألفان و569 منشأة صحية. وقد احتلت مناطق الرياض ومكة المكرمة والشرقية المراكز الثلاثة الأولى في القائمة، لوجود أكثر من ألفَي مزوّد للخدمات الصحية فيها. وتتصدّر منطقة الرياض القائمة مع 954 منشأة، فيما تحلّ منطقة مكة المكرمة في المرتبة الثانية مع 619 منشأة، وتليهما المنطقة الشرقية مع 428 منشأة.

المساهمون