تتشدّد الدنمارك أكثر في التعامل مع المهاجرين واللاجئين، إذ رأت زمام الأمور وقد بدأ يفلت منها. لكنّ خبراء يشيرون إلى احتمال تسبّب ذلك في ردود فعل من قبل هؤلاء "الأجانب".
"تغيير قواعد استخدام الموظفين في معسكرات اللجوء، للقوة البدنية بحق القصر غير المصحوبين بذويهم، لأجل الحفاظ على الأمن والنظام. وترغب الحكومة في تعزيز جهود التنسيق الأمني المتعلق بسياسة الهجرة، وزيادة تدعيم العمل الاستخباراتي والوقائي بمقترحات إضافية". مقدّمة لسلسة طويلة من مقترحات حكومة الدنمارك لمشروع التشدد في سياسة الهجرة واللجوء إلى البلاد، من بين عشرات التعديلات الجذرية.
وتُكثر حكومة يمين الوسط بزعامة حزب "فينسترا" الليبرالي محاولاتها لكسب تأييد اليمين المتشدد بهدف الموافقة على "مشروع 2025" المتعلق بإدخال تعديلات عدّة على سياسات مالية واجتماعية شاملة في البلاد. المشروع المشار إليه وفقاً لما تعرضه حكومة كوبنهاغن، يدّعي الرغبة في "إدخال إصلاحات"، لكنّها تثير قلق مختلف الطبقات الاجتماعية، الأمر الذي يهدد بانفراط عقد الحكومة والذهاب نحو انتخابات مبكرة.
في "مشروع 2025"، يبرز إلى جانب السياسات الاجتماعية والاقتصادية، 44 تعديلاً على سياسة الهجرة واللجوء تحت عنوان:" ضرورة لحماية الدنمارك". ووفقاً لما جاء في ورقة التشديدات، يستند التبرير الرسمي إلى أنّ "الدنمارك وبلدان أوروبا الأخرى تواجه تحديات. وتهدف هذه المقترحات إلى مواجهتها للتحكّم في تدفق اللاجئين، إلى مستويات تستطيع التعامل معها". وتذهب كوبنهاغن في المقدّمة إلى إقناع الجمهور بأنّ "الحكومة تقود سياسات هجرة صارمة ومنسقة وواقعية. علينا أن نقدّم المساعدة، لكن يجب أن نحمي الدنمارك عبر المحافظة على تماسكنا وقيمنا".
وقد أثارت بنود عدّة حفيظة سياسيين وقانونيين دنماركيين، انتقدوا حكومة يمين الوسط مسنودة باليمين المتشدد في حزب "الشعب الدنماركي". وتذهب التشديدات الحكومية إلى تمديد العمل بقانون مراقبة الحدود بعد عام 2016، "إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي حماية حدوده الخارجية. ويمكن رفض طالبي اللجوء عند الحدود مباشرة قبل دخولهم البلد".
من الواضح أنّ الدنمارك تستند في جملة التدابير الصارمة على جوّ أوروبي عام يلجأ إلى التصعيد منذ العام الماضي، بشأن قوانين الهجرة واللجوء. يُذكر أنّ كثيراً ما وردت عبارات من قبيل "تحديات أوروبية" و"عدم قدرة أوروبا". ويبدو أنّ التشديدات التي انتهجت منذ عام، لم تكن كافية. وحول الحصول على "إقامة دائمة"، ترى الدنمارك أنّه "كان يشترط أن يقيم المهاجر ستّ سنوات شرعية قبل الحصول على إقامة دائمة، في السابق. أمّا اليوم، فالمطلوب هو ثماني سنوات. وهذا التشديد سوف ينعكس على إمكانية لمّ الشمل للأزواج، إذ يتطلب من المهاجرين الأزواج الإقامة الدائمة لثلاث سنوات بهدف الحصول على تلك الإقامة الدائمة.
تطول قائمة التشديدات والتدابير الصارمة، وتصبّ النقاط الأربع والأربعين في معظمها في جعل "الدنمارك أقلّ جذباً للاجئين والمهاجرين"، وفقاً لما تشير شخصيات حكومية نافذة من يمين الوسط، خصوصاً وزيرة الأجانب والدمج، إنغا ستويبرغ. وبحسب الباحث في شؤون التطرف في جامعة أوبسلا السويدية، ميلان عُبيدي، فإنّ تلك التدابير استدعت جملة من المواقف المحذّرة من أنّها "سوف تتحوّل إلى سلاح بيد المتشددين الإسلاميين الذين سيذيعون بين الناس بأنّ الأمر هو اضطهاد ظالم للسكان المسلمين في المقام الأول، وهو يرتبط كذلك بمحاربة الغرب للإسلام، وفقاً لبروباغاندا الإسلاميين". وحذّر عُبيدي، في حديث مع التلفزة الدنماركية، من أنّ "التدابير التي تمسّ حقّ لمّ شمل الأسر سوف تفسّر على أنّها تمييز كذلك". وعبّر عن خشيته من تحوّل الأمر إلى "سلاح في يد الماكينة الدعائية للمجموعات المتشددة، التي تبحث عن تعاطف بين المسلمين العاديين، مما يجعل التدابير تصب في مصلحتهم".
القول بأنّ تدابير الحكومة الدنماركية الشاملة والصارمة سوف تخلق "مزيداً من التطرف"، يتفق معه المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الدنماركي، يعقوب شارف، الذي يشغل اليوم منصب مدير مركز أبحاث الأمن "سيرتا". التقييم الذي خرج به شارف، وهو من أبرز الشخصيات الأمنية العارفة بمسائل التشدد، تنقله الصحافة الدنماركية كمؤشّر إلى مخاطر التوجهات الجديدة لحكومة يمين الوسط. بالنسبة إليه، فإنّ لهذه التدابير "دوراً مستقبلياً في تعزيز السردية التي يقدمها المتشددون والقائلة بأنّ المسلمين يعامَلون بظلم ومهانة في الغرب". وقد طالب شارف بـ"دراسة العواقب السلبية، وليس جعل الخوف من التطرّف معوّقاً لاتخاذ القرارات السياسية".
من جهته، كان وزير العدل من الحزب الحاكم، سورن بيند، قد سبق وحذّر من أنّ "خطاب الكراهية يؤثر جداً في التوجّه نحو التطرّف"، في حين ترى الباحثة في المركز الدنماركي للدراسات الدولية، آنا صوفيا هيمنغسين، أنّ "الأمر خرج عن حدود لهجة نقاش سائد، نحو تجسيده في نتائج ملموسة في السياسات".
تبدو النقاط، التي تريد حكومة اليمين تمريرها في كوبنهاغن بحسب ما يشرح أعضاء في اليسار الدنماركي لـ"العربي الجديد"، وكأنها تهدف إلى "جعل الناس (المهاجرين واللاجئين) عالقين في خانة تلقي مساعدة نقدية محددة بالدمج. هي مساعدة مالية بالكاد تكفي لسدّ رمق الناس، تصعّب انتقالهم إلى قانون المساعدات النقدية العادية". تضيف ستينا أندرس نوردغوورد، وميتا سكوبوو، من حزبَي "اللائحة الموحدة" و"البديل"، أنّ "ذلك يهدف كذلك إلى عزلهم واستحالة حصولهم على إقامة دائمة ولمّ شمل بالإضافة إلى تسهيل تسفيرهم إلى بلدانهم الأصلية".
أمّا الناشط الدنماركي من أصل فلسطيني، مالك البطران، فيحذّر من أنّ "هذا المشروع يأخذ البلد نحو حالة استقطاب هو في غنى عنها". ويشير إلى قضية الانتماء المشترك، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة مسائل كثيرة لا ينتبه إليها السياسيون، ومنها أنّ المسلمين في البلد يشعرون بالتمييز. ومن الممكن أن يؤدّي ذلك إلى استقطاب يجعل مسألة الانتماء إلى المجموعات محدّدة بالدين الذي ينتمي إليه هؤلاء. فالشعور بأنّ التشدّد ينطلق من رغبة واضحة وصريحة في الحدّ من توافد مهاجرين ولاجئين مسلمين، يثير مثل تلك المشاعر".
وتتخوّف هيمنغسين من "خطر أن يستلهم البعض مواقفه السياسية من خطابات داعش. في المقابل، يمكننا كذلك أن نرى تطرفاً في اليسار واليمين محلياً. ثمّة من يقف في صف اللاجئين، ومن يقابلهم راغباً في وقف اللجوء".