تلاميذ منتحرون.. خوف من امتحانات الثانويّة العامة

18 اغسطس 2016
تظاهرة ضدّ وزارة التربية (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
عوامل كثيرة تدفع عدداً من تلاميذ مصر إلى الانتحار، منها الخوف من امتحانات الثانوية العامة. إذا ما عجز البعض عن حلّ الأسئلة، قد يختارون إنهاء حياتهم. وعادة ما تزيد الظروف المحيطة بهم من معاناتهم، فيجدون أنفسهم عاجزين عن تحمّل كلّ الضغوط

رغم أنّ انتحار عدد من تلاميذ الثانويّة العامة وغيرها من المراحل التعليميّة ما زال محدوداً نسبيّاً في مصر، إلّا أنه قد يشير إلى خطر ما يحدق بالمجتمع. هذه الخطورة تجلّت في التقرير الصادر لمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار في عام 2015، والذي سجّل 157 حالة انتحار، عدا عن الحالات التي أُنقذت. وكانت نسبة الشباب (ما بين 18 و35 عاماً) هي الأكبر، وبلغت 53 في المائة.

في الآونة الأخيرة، كثرت حالات الانتحار بين تلاميذ الثانوية العامة، وكان أبرزها انتحار التلميذة هدير في الصف الثالث الثانوي في محافظة الشرقية، بسبب صعوبة الامتحانات والضغط النفسي، وقد عجزت عن حل معظم أسئلة امتحان الفيزياء.

يقول أحد أقاربها، علاء النملي، إنها كانت مسؤولة بشكل كامل عن رعاية أسرتها بعد مرض والدتها، لافتاً إلى تولّيها أعمال المنزل والإدارة المالية والاهتمام بأشقائها. وكان والدها، وهو مزارع، يحلم بأن يراها طبيبة. وبعدما عجزت عن حلّ أسئلة الامتحان، لم تستطع مواجهة الأمر واختارت الانتحار.

امتحان "الميكانيكا"
قبلها، انتحر محمد يسري (16 عاماً)، وقد اختار شنق نفسه في منزله في القاهرة بعد مرور 24 ساعة على أدائه امتحان الرياضيات، وقد عجز عن حلّ بعض أسئلته. أما مرهان هاني سالم (18 عاماً)، فقد ألقت نفسها من الدور السادس خشية الفشل في امتحان "الميكانيكا".

أيضاً، قفزت سارة راجح محمد علي (17 عاماً)، حين كانت في الصف الثالث الثانوي، من الطابق الثالث في إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، احتجاجاً على قرار إلغاء وتأجيل الامتحانات في بعض المواد. وتقول صديقتها نهلة عمارة إنها كانت قد طلبت منها في صباح اليوم الذي انتحرت فيه أن تخبر لأهلها بألا يغضبوا منها، لافتة إلى أنها كانت تعاني من ضغوط نفسية كبيرة، لكنها لم تتوقّع منها أن تنتحر.

من جهتها، تقول آية أ. ف.، وهي تلميذة في الثانوية العامة، إنها فكرت في الانتحار أكثر من مرة، لكنّها تراجعت خوفاً على والديها. وتوضح أنّها في كلّ مرّة كانت تفكّر في الإقدام على الانتحار، تحاول إشغال نفسها بأمور إيجابية علّها تتخلّص من هذه الفكرة السلبية، وقد نجحت حتى الآن.

أما وائل منير، وهو في الصف الأول الثانوي، فيرى أن "التلاميذ المنتحرين ضحيّة لهذا المجتمع". وبعد سماعه عن حالات انتحار عدة في الثانوية العامة هذا العام، يفكّر في متابعة الدراسة في ثانوية فندقية، علّه يكون بمنأى عن أي ظلم. في المقابل، يرى معتز أحمد، وهو تلميذ في الثانوية العامة، أن "الضغوط النفسية ليست سبباً ليتخلى الإنسان عن حياته وأحلامه". ومذ كان صغيراً، رغب في الالتحاق بكلية دار العلوم. ورغم أنها لا تتطلب مجموعاً كبيراً، إلا أنّه أصر على تحدّي الظروف ونال مجموع 99 في المائة.

اكتئاب
بدورها، تحمّل نهال عفيفي، وهي تلميذة في الثانوية العامة، الآباء والأمهات مسؤولية إقدام أولادهم على الانتحار. وترى أن السبب الرئيسي لذلك هو تخويفهم من امتحانات الثانوية العامة. وتلفت إلى أن الأهل يعمدون إلى زرع الخوف في قلوبهم.

في هذا الإطار، يقول رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، هاشم بحري، إن هناك أسباباً عدة قد تدفع الأشخاص إلى الانتحار، أبرزها الاكتئاب، إذ يشعر المريض بأنه المسؤول عن جميع المآسي التي يعاني منها، ويعتقد أن قتل نفسه قد يضع حداً لتلك المآسي. ويلفت إلى سبب آخر وهو "الاضطرابات الشخصية"، التي تدفع المصابين بها إلى الانتحار بطريقة استعراضية بهدف لفت أنظار المجتمع إلى ما آلت إليه أحوالهم.

يضيف أن احتمال الانتحار يزيد بنسبة عشرة أضعاف لدى الأشخاص الذين يعانون من "الاكتئاب العقلي" (الذهاني)، والذي يصيب 1% من سكان العالم، ويعاني منه 900 ألف مواطن مصري، بحسب أحدث الدراسات. يتابع أن الأوضاع الاقتصادية قد تؤدي إلى الانتحار، لافتاً إلى أن "الدولة تتحمّل مسؤولية كبيرة في الحد من حالات الانتحار، وذلك من خلال تأمين فرص العمل ومستقبل أفضل للشباب".

من جهته، يقول أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أحمد عبد الله، إن "نسبة المنتحرين تزداد بين الطلاب والشباب، خصوصاً أن هذه المرحلة العمرية ترتبط بتحقيق الذات والإنجازات. وفي حال عجز الشباب عن تحقيق ما يرغبون به، يختارون الانتحار". من جهة أخرى، يشير إلى أن "الصورة التي رسمها المجتمع عن الثانوية العامة، جعلتها أحد أسباب الانتحار الأساسية، إذ هي البوابة التي يعبر التلاميذ من خلالها إلى أحلامهم وطموحاتهم. فإذا ما أغلقت في وجههم، تخلّصوا من حياتهم".

ويلفت عبد الله إلى أن عوامل أخرى تُساهم في انتحار التلاميذ، منها الأسرة والمجتمع وحال البلاد. يضيف أنه "بعد ثورة 25 يناير، ورفع شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية وغيرها، والاهتمام بمتابعة الأخبار ومعرفة التطورات السياسية، بدا المشهد الواقعي منافياً لكل تلك الشعارات والأحلام، ما أدى إلى اكتئاب عدد من المواطنين الذين صاروا يفكّرون في الانتحار. وهذا ما حدث مع غالبية تلاميذ الثانوية العامة. فبالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والنفسية، كان لوضع البلد تأثيره، يضاف إلى عجز وزارة التربية والتعليم عن حل مشكلة تسريب الامتحانات".

ويرى الطبيب النفسي في وزارة الصحة، أحمد أبو الوفا، أنّ "حلّ مشكلة الانتحار يحتاج إلى تكاتف، على أن تتولى الدولة مسؤوليتها أولاً، تليها الأسرة والأصدقاء والمجتمع". ويلاحظ أنه بات هناك تعاطف مع المنتحر، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تراجع الرؤية الدينية التي تحرّم الانتحار. ويلفت إلى أن الانتحار بات اليوم درساً للمتسببين فيه، مشيراً إلى أنه لا يحل الأزمات، ومحذّراً في الوقت نفسه من زيادة نسبته. ويشدّد على أهميّة تحريم هذا الفعل مجدداً، والالتزام بتعاليم الدين التي تجرّم الانتحار وتقدّر الحياة.

المساهمون