روتين

30 مايو 2016
سأستمر بالتنزه على الكورنيش البحري (رسم فؤاد هاشم)
+ الخط -
أتعلمين أنني أعاني من "روتين مزمن" مثلك تماماً. أصدقائي غارقون به أيضاً. وعلى الرغم من أنه لكلّ منا روتينه الخاص، إلا أن اللائحة تطول وقد تحتوي على تفاصيل نتشارك فيها وإن بشكل فردي، كالاستماع إلى الأغنيات نفسها يومياً، واحتساء القهوة في الأماكن العامة نفسها، والتنزه على الكورنيش البحري في ساعات الفجر الأولى، والتسوق، والذهاب إلى العمل، بالإضافة إلى عادات أخرى كثيرة.

لا أخفي عليك رغبتي الملحّة بالخروج من دائرتي المقفلة، واختبار أنواعٍ أخرى من الروتين. أعلم أن الأمر ليس سهلاً في ظل وجود الكثير من الحواجز الوهمية التي عليّ اجتيازها. أعترف أيضاً بأنني أصبحت مدمناً على بعض الأشياء التي يصعب التخلي عنها على الرغم من تفاهتها. مع ذلك، لن أتوقف عن التأفف من روتيني القاتل. سأجلس في المقهى نفسه متمنياً أن أجلس في مقهى آخر. سأستمع إلى الموسيقى نفسها وأقنع نفسي أنني قادر على الاستماع إلى غيرها. ربما أسعى إلى إيقاف فيروز عن الغناء وأعطي الفرصة لأورتيغا. سأرقص حتى الصباح على ضجيج أغنية "هاتي بوسة يا بت" ولن أبالي بمصير الطائر الذي "يطير على أطراف الدني". سأزور الأصدقاء أنفسهم وأخفي عنهم رغبتي بصداقات جديدة. سأتنقل على دراجتي التي أحب وأوهم نفسي بأنني لست راغباً في استبدالها بأخرى. سأبقى تائهاً رامياً كل تناقضاتي في مرآتي إلى أن تتضح الرؤية.

ربّما يبدو واقعي محزناً بالنسبة إليك. ولعلّ أجمل ما في هذا الواقع أنك تنظرين إلى روتيني وتحسدينني على تنوعه بعدما مللت بدورك من روتينك. تغريكِ فكرة الدخول إلى عالمي كما تغريني فكرة دخول عالمك. دعينا نرسم دائرة جديدة فيها أبواب ونوافذ تتقاطع مع دائرة كل منا. هكذا يكون خيار عودة كلّ منا إلى دائرته متاحاً متى احتجنا إلى ذلك. ولنعدْ ترتيب دائرتنا المشتركة لدى خروجنا منها بعد إدخال بعض من أشيائنا إليها، ولنتفادَ تحويلها إلى مكان مثقل بالروتين كمثيلاتها من الدوائر.

قبل أن نبدأ برسم دائرتنا، الأفضل أن ينفرد كلّ منا بدائرته لتوضيب أشيائنا المبعثرة والتخلي عن أخرى لم نعد نحتاج إليها. ربما نكتشف أنواعاً جديدة من الروتين ما قد يساعدنا على رسم الأبواب والنوافذ. من جهتي، سأغيّر طعم قهوتي وأستمر بالتنزه على الكورنيش البحري، لكن قبل طلوع الفجر بقليل. وهناك أشياء أخرى تروقني لن أتخلى عنها.
نصيحتي لك ألا تستعيني بوسائل التواصل الاجتماعي. ربما تقودك إلى دوائر أصغر. اعتمدي على حدسك وأحلامك القديمة. وعندما تخرجين، ستجدينني أحاول رسم أول باب لدائرتنا الجديدة.

المساهمون