جربٌ في اليمن

27 مايو 2016
تفتقر إلى الكثير في مخيّم النزوح (فرانس برس)
+ الخط -

مذ بدأت الحرب في اليمن، كثرت الأمراض التي تصيب اليمنيين، ولا سيّما هؤلاء النازحين الذي تركوا منازلهم في المناطق المشتعلة، ليسكنوا في مخيمات وسط ظروف متردية. الجرب واحد من تلك الأمراض التي راحت تثير القلق أخيراً، وتعدّ محافظة عمران (شمال) واحدة من أكثر المناطق المتأثرة به.

أصيب أحد أبناء عبد الفتاح الحاشدي بالجرب. يعبّر الوالد عن مخاوفه من احتمال انتقال المرض إلى بقية أفراد أسرته، "فقد علمت بأنّه معد وسريع الانتشار. لذا عمدت إلى عزله في غرفة منفصلة حتى يشفى". ويشير الحاشدي لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "الجرب كان قد انتقل إلى الولد عن طريق زملائه، بعدما انتشر بين تلاميذ المدرسة التي يتابع فيها أبنائي الثلاثة دراستهم". وبعدما أصيب واحد منهم، اضطر إلى منع الآخرين من الذهاب إلى المدرسة مؤقتاً".

يعاني الحاشدي الابن من حكة شديدة تزداد حدّتها في الليل، حتى أنه لا يستطيع النوم بحسب ما يقول والده. ويخبر: "نجبر على سهر الليل مع ابننا، ونشاهده وهو يبكي من حدّة الأعراض". يضيف أنّ "المرض ينتشر بسرعة بين المواطنين في مدينة خمر وفي المناطق المجاورة، من دون أن تبذل السلطات المحلية أي جهود لسيطرة عليه. والمواطنون بأكثريتهم لا يعرفون ما هي الإجراءات المناسبة للحدّ من انتشاره".

يوضح مدير مستشفى خمر، الدكتور فؤاد بوتج، أنّ حالات الإصابة بالجرب تجاوزت الألف، وقد وقع 45 في المائة من سكان خمر تقريباً ضحية هذا المرض، وفقاً لمكتب الصحة في المدينة. يضيف أنّه "كان قد انتشر بصورة كبيرة في مخيم دحاض للنازحين، قبل أن ينتقل إلى مدينة خمر وبعض المناطق المحيطة بها مثل حوث وحرف سفيان والقفلة". ويؤكد بوتج لـ "العربي الجديد" أنّ ثمّة "نقصاً حاداً في الأدوية الخاصة. وقد أطلقنا نداء استغاثة إلى منظمات المجتمع المدني، التي تقوم حالياً ببعض النشاطات التوعوية".

أمّا مدير مدرسة السلام في مدينة خمر محمد عتيق، فيشير إلى أنّ "عدد المصابين من تلاميذ المدرسة تجاوز المائة"، قائلاً إنّ "المرض انتقل من مخيّم على الرغم من التوعية التي تعمل عليها منظمات دولية في المدرسة". ويشرح عتيق لـ "العربي الجديد" أنّ "مخيمات النازحين تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة السليمة، لهذا يصاب ساكنيها بأمراض مختلفة".




من جهتها، تؤكد المسؤولة الإعلامية لدى منظمة أطباء بلا حدود ملاك شاهر، أنّ "المرض بدأ ينتشر في مخيمات النازحين في مديريتَي حوث وخمر التابعتين لمحافظة عمران، منذ يناير/ كانون الثاني 2016. وعلى الرغم من محاولات مواجهته من قبل المنظمة، إلا أنّ عدد حالات الجرب في تزايد لا سيّما في مديرية خمر". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ملّاك الأراضي حيث هم النازحون، منعوا المنظمات الدولية قبل نحو شهرين من العمل على أراضيهم الخاصة لمواجهة المرض. بالنسبة إليهم، هؤلاء يقيمون في مخيمات شيّدوها على أراض خاصة بمواطنين، لا أراضٍ تابعة للدولة". تضيف شاهر أنّ "مع ذلك، ما زالت المنظمة تعمل في مستشفى السلام"، لافتة إلى أنّ "عدم تمكّن المنظمات من تقديم الرعاية الصحية المباشرة في مخيّم النازحين، قد يكون أحد الأسباب التي أدّت إلى انتشار المرض بصورة أكبر".

يُذكر أنّ منظمة أطباء بلا حدود استقبلت 123 مريضاً في يناير/كانون الثاني الماضي، ليرتفع العدد إلى 131 في فبراير/شباط، وأكثر في مارس/آذار مع 254 مريضاً، ليصل في إبريل/نيسان إلى 576 في مدينة خمر وحدها.

وكانت المنظمات العاملة في المجال الإنساني قد اكتشفت إصابات بالمرض، عن طريق الصدفة، في إطار عمليات التقييم الميداني التي تنفذها في مناطق وجود النازحين ومخيماتهم حيث تعمل. لكن ثمّة مخيمات أخرى، لا أحد يعلم ما هو وضعها.

في السياق ذاته، بيّن تقييم ميداني نفذته منظمة أوكسفام البريطانية، انتشار المرض في أوساط النازحين في مديرية التعزية الواقعة في ضواحي مدينة تعز (وسط) التي تمزّقها الحرب منذ أكثر من عام. وأشار التقييم إلى أنّ العدوى انتشرت في 14 قرية، لتصيب النازحين المهمّشين، بينما المصابين بمعظمهم هم من الأطفال. وقد عالجت منظمة أطباء بلا حدود المصابين الذين وصل 80 في المائة منهم، وهم في مرحلة متقدّمة من المرض.

ومرض الجرب انتشر على شكل موجات انتقلت إلى مناطق عديدة تعاني من الحرب التي تعيشها البلاد، بحسب إنذار وجّهته منظمة صحية دولية إلى وزارة الصحة العامة اليمنية. وقد أشارت إلى أنّ الجرب أصاب 800 طفل خلال الأسبوع الماضي وحده في مديرية التعزية في محافظة تعز. وتتخوّف المنظمة من انتشاره أكثر فأكثر من دون قدرة على السيطرة عليه.

ويُعدّ عدم كفاية المياه التي تحصل عليها الأسر النازحة، من أبرز الأسباب التي تساهم في انتشار العدوى. تتلقّى الأسرة الواحدة ما بين ثلاثة ليترات و15 ليتر مياه في اليوم الواحد، يستخدمها أفرادها الذين يبلغ متوسط عدد أعضائها سبعة أفراد، في الشرب والطبخ والغسيل والنظافة الشخصية. وبحسب المعايير الإنسانية الدولية الخاصة بشؤون النازحين، لا ينبغي أن تقلّ كمية المياه المخصصة لأسرة النازحة عن 20 ليتراً يومياً. كذلك يعاني النازحون في اليمن من صعوبة وصولهم إلى المياه.


المساهمون