الحاجة جميلة تغنّي مواويل فلسطينها

11 ابريل 2016
لا شيء أجمل من بيت الإنسان ببلده (العربي الجديد)
+ الخط -

في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور، جنوب لبنان، تعيش الحاجة، جميلة إبراهيم حسنين، التي ناهز عمرها التسعين، قعيدة الفراش. هي ما زالت تتذكر هروبها وعائلتها من فلسطين، من عكا تحديداً.. ما زالت تتذكر أيام ترحالها ولجوئها المرير إلى لبنان.

أمضت الحاجة جميلة طفولتها وشبابها في وطنها فلسطين. هناك، تزوجت وأسّست أسرة، من دون أن تتوقع في يوم من الأيام ترك دارها وأرضها وذكرياتها واللجوء إلى مكان غريب لا تربطها فيه أية ذكريات. لكن في هذا المكان الغريب، جمعت لها ذكريات على مدى سنوات لجوئها الطويلة.

عندما خرجت من فلسطين، كانت الحاجة جميلة تبلغ من العمر 25 عاماً، وقد مضى على زواجها أكثر من عشر سنوات. هي تزوجت عندما كانت تبلغ من العمر 14 عاماً، وأنجبت حتى تاريخ هجرتهم القسرية خمسة أولاد. تخبر: "خرجت بهم من فلسطين، وقد خفت عليهم من بطش الصهاينة. هم كلّ ما تبقى لي بعدما خسرت بيتي وأرضي. تركنا كل شيء هناك وهربنا". هي تعلم جيداً أنها هربت مع عائلتها من فلسطين خوفاً من العصابات الصهيونية على أولادها وعلى نفسها، "تلك العصابات التي كانت تقتل الفلسطينيين وتسلبهم أرضهم ودورهم".

اليوم، تعيش الحاجة جميلة في مخيّم الرشيدية، محاطة بحب وحنان عائلتها. لكنها تصرّ على أنّ "لا شيء أجمل من بيت الإنسان في بلده. كنا نعيش بأمان واطمئنان. نعيش حياة مستقرة، لا خوف فيها ولا قلق على مصير مجهول. المجهول عرفناه في لبنان، وما زال أولادنا يعانون منه". تضيف: "لكننا اضطررنا إلى ترك أرضنا وبيوتنا، والهروب خوفاً من أن يعتدي الصهاينة على أعراضنا". وتؤكّد أنّ "اليوم الذي خرجنا فيه من فلسطين، كان يوماً غير اعتيادي وسط خوف شديد. كان الصهاينة يستهدفوننا بكل أدواتهم القاتلة، وكانوا يداهمون القرى والحارات، ويقتلون الناس كما يحلو لهم. حينها، شعرنا بخوف شديد مما يجري من حولنا ومما كنا نسمعه عن أولئك الأعداء الذي أتوا ليستولوا على أرضنا. كان الصهاينة يدخلون البيوت ويقطعون الطرقات ويعتدون على النساء ويقتلون الجميع من أطفال وشيوخ ورجال وحتى نساء. ولما علمنا باقترابهم منا، قررنا الهروب من عكا إلى لبنان. هكذا، استحلّوا هم أمكنتنا، واستقروا في بيوتنا ودورنا".




وتسرد بعضاً من محطات رحلة اللجوء إلى لبنان. تقول: "عندما هربنا، بعض منا نجح في ركوب سيارات وتوجّه مباشرة إلى لبنان. أما البعض آخر، فلم ينجح في العثور على سيارات، وهرب سيراً على الأقدام خوفاً من بطش الصهاينة". وتؤكد أنّ "النساء والفتيات خصوصاً، هنّ اللواتي هربن كيفما اتفق. نحن خفنا على الأعراض، وسرنا مسافة طويلة من دون أن نحمل معنا إلا بعض الملابس التي وضعناها في أكياس على عجل. تركنا خلفنا كل ما نملك، كل مقتنياتنا. وبعدما سرنا مسافات طويلة، وصلنا إلى جنوب لبنان". تضيف: "هناك، مكثنا في منطقة قريبة من فلسطين نستظل السماء والشجر، في انتظار عودتنا إلى عكا. لكنّ العمر مضى ونحن ما زلنا ننتظر يوم العودة إلى فلسطين".

وتشكو الحاجة جميلة قائلة: "عشنا أياماً صعبة جداً. مرّت علينا، من دون أن نعرف كيف. وبعدما طال انتظارنا على الحدود اللبنانية، أيقنا أن زمن اللجوء سوف يمتد، فتوجهنا إلى مخيم الرشيدية. فيه، ما زلنا نعيش حتى اللحظة". إلى ذلك، عايشت الحاجة جميلة وعائلتها الحروب العديدة التي عرفها لبنان، والاجتياحات العديدة التي نفذها العدو الصهيوني على جنوب لبنان، بالإضافة إلى القصف الإسرائيلي المستمر الذي كان يستهدف المواقع العسكرية للفدائيين الفلسطينيين في الجنوب. وقد سقط العديد من الشباب الفلسطينيين نتيجة الاعتداءات الصهيونية تلك.

ما زالت الحاجة جميلة تغني اليوم المواويل الفلسطينية، التي تذكرها والتي كانت تُغنّى في المناسبات الجميلة، خصوصاً في حفلات الزفاف. ما زالت تغنيها اليوم وفي قلبها غصة على أيام جميلة عاشتها في وطنها، إذ لن تتمكن من غنائها في يوم قريب في فلسطينها.

المساهمون