سلمة... قرية مهجّرة في قضاء يافا

20 ديسمبر 2016
أحد المنازل الباقية في القرية (العربي الجديد)
+ الخط -

في سنة 1596 كانت سلمة قرية في ناحية الرملة (لواء غزة) وعدد سكّانها 94 نسمة. وكانت تؤدّي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير، بالإضافة إلى عناصر أخرى كالماعز وخلايا النحل.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، كانت سلمة قرية مبنيّة بالطوب وفيها بضع حدائق وآبار. أما في فترة الانتداب البريطانيّ فكانت سلمة مقسّمة إلى أحياء، وكان يسكن في كلّ حيّ عشيرة أو فرع من عشيرة، وكانت المنازل أوّل أمرها مبنية قرب بعضها بعضاً، وتتحلّق منازل كل عشيرة أو فرع من عشيرة حول حوش فسيح ذي مدخل واحد مشترك.
كان سكّانها يتألّفون من 6670 مسلمًا و60 مسيحيًا. وكان في سلمة مدرستان: إحداهما للبنين والأخرى للبنات. وقد فتحت مدرسة البنين أبوابها في سنة 1920 ومدرسة البنات 1936. وفي سنة 1941 كان عدد التلامذة المسجّلين في المدرستين 504 تلاميذ و121 تلميذة على التوالي وكان سكّان القرية يموّلون فريقا لكرة القدم.
كان في القرية عدّة متاجر وخمسة مقاهٍ. وفي فترة الانتداب أنشئ في سلمة شركة نقل امتلكت السيّارات والباصات، وكان لها شركاء في قرية العبّاسيّة المجاورة، وكانت تدعى "شركة سيّارات سلمة- العباسيّة" وكان سكّان سلمة يعملون بصورة رئيسيّة في الزراعة وفي كلّ وما يتعلّق بها. كما عمل نفر منهم في التجارة وفي الوظائف الحكوميّة.
في 1944 كان ما مجموعه 2853 دونمًا مرويًا أو مستخدمًا للبساتين. أمّا الزراعة فكانت بعليّة ومرويّة معًا، وكانت مياه الري تجلب من نحو 85 بئرًا ارتوازيّة. وكان المزارعون يشحنون منتجاتهم إلى يافا ويبيعون قسمًا منها في المستعمرات الصهيونيّة المجاورة. وكانوا يشحنون الحليب أيضًا إلى مصنع للألبان في يافا، الذي كان يمتلكه رجلان من سلمة.

احتلال القرية
كانت سلمة محاطة بعدّة مستعمرات يهوديّة وباتت عرضة للهجمات شبه المستمرّة طوال خمسة أشهر، ابتداءً من 5 يناير/كانون الأوّل 1947 أي بعد مرور أسبوع على صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. فقد ذكرت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" أن عناصر من الهاغاناه أطلقت نيران رشاشاتها على سلمة في ذلك اليوم، وان الأسر العربيّة راحت تخلي المنطقة وتتوجّه إلى اللد والرملة.
وذكرت صحيفة "فلسطين" أن هجومًا من قسمين وقع في التاريخ نفسه، وأنه هدأ بعد وصول الشرطة البريطانيّة ثم استؤنف في الليل. وقد أفيد عن وقوع عمليّات قنص وعمليّات هجوميّة أخرى في اليومين اللاحقين.
ويذهب تاريخ الهاغاناه إلى أن قيادتها في تل أبيب قرّرت في يناير 1947، "مهاجمة قرية سلمة السيئة الصيت"، ويضيف أن "هذا الهجوم كان الأوّل على قرية عربيّة"، وقد نفّذ فجر 19 يناير، وكان مآله الفشل.
ويشير المؤرخ الفلسطينيّ عارف العارف إلى غارة أخرى شنّت في 28 يناير وسبقها هجوم تضليليّ انطلق من مستعمرة بيتح تكفا. وقد انطلقت الغارة الصهيونيّة من رمات غان، حيث حشد الصهاينة قوّة كبيرة تمّ تشكيلها من شرطة المستعمرات اليهوديّة ومن عصابة الإرغون. ولم يكتف المدافعون عن القرية بإرغام المهاجمين على الانسحاب فحسب، بل شنّوا أيضًا هجومًا مضادًا على بيتح تكفا، وانضم إليهم رجال من اللد والعبّاسيّة.
في أوائل يناير 1948، أقام سكّان القرية عدة دفاعات مرتجلة حول سلمة. وورد في صحيفة "ذا نيويورك تايمز"، بتاريخ 11 يناير، أن وحدات الجيش البريطاني استخدمت نيران المدفعيّة لإزالة أربعة حواجز حول القرية، وأوعزت إلى المختار بأن يلزم سكّان القرية بردم خندق كبير.
اعتقد الصهاينة أنَّ سلمة كانت ملاذًا للمقاتلين العرب غير المحليين. لكن عارف العارف يشير إلى أنّ السكّان أنفسهم نظّموا مجموعة مؤلّفة من نحو 30 رجلاً، في إثر صدور قرار الأمم المتحدة بالتقسيم في نوفمبر 1947. وقلما مر يوم بعد هذا التاريخ من دون حدوث مناوشات حول القرية.
استمرت الهجمات على القرية حتى النصف الثاني من إبريل، لكن ذخيرة المدافعين عن القرية ما لبثت أن نفذت وأخذ سكّانها بالرحيل خلال عمليّة "حميتس" التي هدفت إلى تطويق يافا واحتلالها. وقد احتلت وحدات من لواء "ألكسندروني" سلمة في 29 إبريل 1948، وتشتّت أهلها إلى نواحي رام الله ونابلس وغزّة وعمّان.

القرية اليوم
بقي من القرية منازل عدّة، أربعة مقاهٍ، المسجد، المقام، مقبرة واحدة، والمدرستان. المنازل مهجورة وفي حال مزرية من الإهمال المقصود، باستثناء تلك التي يقيم اليهود فيها. وهذه المنازل مبنيّة في معظمها بالإسمنت، وتبدو عليها سمات معماريّة متنوّعة.
كانت المقاهي الأربعة معروفة بأسماء مالكيها: محمد الحوتري، وأبو عصبة وشعبان الناجي، والعربيد. وتعيش أسرة يهوديّة في مقهى الحوتري. أمّا المقام ذو القبة في حالٍ من الإهمال المتعمّد.
إحدى مقبرتي القرية (مقبرة الشهداء) مهجورة وتكسوها النباتات البريّة، أمّا الثانية فقد حوّلت إلى منتزه إسرائيلي صغير. وتنبت أشجار التين والسرو والنخيل وشوك المسيح ونبات الصبّار في أنحاء الموقع. وبصورة عامّة، يغلب البناء على الأراضي المحيطة.
وفي حديث مع سامي أبو شحادة، العضو السابق للمجلس البلدي تل أبيب يافا، قال لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى ويجري في قرية سلمة هو استمرار لبرامج محو الهويّة ومعالم مدينة يافا العربيّة. إن استيلاء بلديّة تل أبيب على مدينة يافا على إثر النكبة، أدّى إلى تهميش سكّان مدينة يافا الأصليين وطردهم من دوائر التخطيط واتخاذ القرار".
وأضاف أنه لا يوجد لدينا صوت أو قدرة على التأثير في ما يتعلّق بالتخطيط لحاضر ومستقبل مدينة يافا. ولذلك نحن نرى أهميّة كبيرة لإعادة بناء قائمة يافا، وخوض انتخابات المجلس البلديّ تل أبيب يافا المقبلة. علينا أن نعود وبقوّة للمجلس البلديّ لكيّ نُسمع صوتنا ونحاول التأثير على حاضر ومستقبل الوجود والتاريخ والتراث العربيّ والفلسطينيّ في يافا ومنطقتها.





المساهمون