القات يلهي شباب اليمن

16 أكتوبر 2016
سوقه مزدهرة رغم التدهور الاقتصادي (سايمون ماينا/فرانس برس)
+ الخط -
طويلة هي ساعات فراغ الشباب اليمنيين، لا سيما مع استمرار الحرب في البلاد وغياب الأعمال ومساحات الترفيه على حدّ سواء. فراحوا يجدون أنفسهم أكثر من أيّ وقت مضى، في مجالس القات اليومية. يُذكر أنّ أندية رياضية ومراكز ترفيه كثيرة أقفلت أبوابها منذ بداية الحرب، فلم تعد من خيارات أخرى أمام هؤلاء الشباب إلا الأرصفة والشارع ومجالس القات.

بعدما اعتاد تخزين القات من وقت إلى آخر، أصبح خليل السفياني (23 عاماً) اليوم من أهمّ زبائن أسواق. فالأعمال متوقّفة بحسب ما يقول، في حين أنّ فسحات الترفيه التي كان يقصدها مساء كلّ يوم قبل الحرب لم تعد متوفّرة. ويخبر "العربي الجديد": "كنت في السابق أستغل الفترة المسائية للقيام بالتمارين في ناد رياضي لكمال الأجسام يبعد عن منزلي نحو خمسة كيلومترات. لكنّ النادي أغلق أبوابه بسبب انقطاع التيار الكهربائي وهجر الشباب له". فأجهزة النوادي الرياضية بمعظمها، تعمل بالتيار الكهربائي، "بالتالي كان الشلل التام".

مثل سواه من الشباب اليمنيين، يشعر السفياني بإحباط شديد نتيجة سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يدفعه إلى الهروب من الواقع والبحث عن أيّ وسيلة تساعده في عدم التفكير به. ويشير إلى أنّه "لفترة طويلة، ظللت أحاول الابتعاد عن التخزين الكبير للقات بسبب اقتناعي بأنّه مضرّ. لكنّني لم أجد أمامي إلا التعايش مع الواقع الجديد، إذ لا نجد مكاناً نقصده ولا نشاطاً نمارسه". ويوضح أنّ "قبل انتظامي في مجالس القات مع أصدقائي في الحيّ، كنت أقضي ساعات العصر أمام المنزل أو نائماً لأتمكّن من السهر ليلاً. أمّا اليوم، فأخرج من المنزل بعد تناول الغداء للقاء أصدقائي"، ويتبادلون أطراف الحديث ويناقشون آخر الأخبار والمستجدات السياسية. واليوم، يعاني هذا الشاب الرياضي الذي بدأ يفقد وزنه ولياقته البدنية، من بعض التقرحات في فمه ومعدته. لكنّه لم يعد قادراً على التخلي عن هذه العادة، إذ إنّ "ظروف الحرب لا تؤمّن لي أيّ بديل آخر".

لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى عبدالسلام الدبعي، الذي سُرّح من عمله في شركة تجارية في سبتمبر/ أيلول الماضي. فقد وجد أمامه ساعات فراغ طويلة، وراح يحاول ملأها مع أصدقاء له في مجالس القات. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه "في السابق كنت أسخر ممن يضيّعون وقتهم كله في تخزين القات"، مشيراً إلى أنّ القات لم يرتفع سعره بالمقارنة مع سلع أخرى، وهو متوفّر في كلّ مكان. ويسأل: "أين أذهب؟ بتّ أحرص على شراء القات يومياً والاجتماع بأصدقائي مساءً، خوفاً من أن أصاب بالجنون إذا بقيت وحدي في المنزل، لا سيّما وأنّ اليمنيين بمعظمهم لا يلتقون بعضَهم بعضاً إلا لتخزين القات".

وكانت الحرب في اليمن قد تسبّبت في إغلاق محلات تجارية كثيرة، بما فيها المطاعم والمقاهي، في حين ما زالت أسواق القات تضجّ بالباعة والزبائن. والقات يلقى رواجاً كبيراً على الرغم من الوضع الاقتصادي السيء والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اليمنيون منذ اندلعت الحرب في مارس/ آذار 2015.

إلى ذلك، يقول بائع القات محمد الخَلقي إنّ الحرب رفعت عدد زبائنه، الذين أضيف إليهم أشخاص جدد لم يكن يعرفهم من قبل. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "الحرب أضعفت عمليات البيع والشراء الخاصة بكلّ السلع والخدمات، باستثناء القات والسجائر، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها تجار القات بسبب شحّ المشتقات النفطية وتعطّل المواصلات في أوقات كثيرة.

في سياق متصل، توضح المتخصصة الاجتماعية، دلال محمد، أنّ "كثيرين هم أولياء الأمور الذين باتوا يقبلون فكرة تناول أبنائهم القات، بعدما كانوا يرفضونها في السابق. أمّا ذلك فخوفاً من توجّههم إلى جبهات القتال". وتوضح محمد لـ "العربي الجديد" أنّ "أولياء الأمور صاروا يفكّرون في كيفيّة إقناع أبنائهم بالبقاء في المنزل تحت رقابتهم، حتى لا يذهبوا إلى القتال مع أيّ من الأطراف المسلحة. وأحياناً، يشترون القات بأنفسهم ويقدمونه إلى أبنائهم، فيخزّنونه معاً".

تجدر الإشارة إلى أنّ ربّ الأسرة في اليمن ينفق 35 في المائة من إجمالي دخله على القات ليحتلّ المرتبة الثالثة أو الرابعة في الإنفاق من ميزانية الأسرة، في مقابل 10 في المائة على تعليم أطفاله.

المساهمون