الإيرانيون لا يرغبون في العمل

04 يناير 2016
معظم الطالبات والخريجات لا يبحثن عن عمل (Getty)
+ الخط -
لا تتعلق مشكلة إيران بالعاطلين من العمل فقط على كثرتهم، فأكثر منهم أولئك الذين لا يرغبون في العمل أساساً، أو تحول ظروف اجتماعية بينهم وبينه، فيعيشون عالة على غيرهم

تدرس ميترا (23 عاماً) في كلية الصحافة والإعلام التابعة لـ"جامعة العلاّمة الطبطبائي" في العاصمة طهران. تقول إنّها كبقية زميلاتها وزملائها تعلم أنّ إيجاد فرصة عمل مناسبة سيكون صعباً وربما مستحيلاً. لكنّها، في الوقت عينه، لا تبحث عن عمل، بل تتكل على أهلها.

قصة بسيطة تلخص حال عدد كبير من أبناء المجتمع الإيراني، الذين لمسوا عملياً تراجع الوضع الاقتصادي في إيران. وهو ما أفرز مشاكل اجتماعية كبيرة على رأسها البطالة، وهي القضية التي تشكل الشغل الشاغل للمسؤولين والخبراء في البلاد. الجميع يعلم أنّ حلّ هذه الأزمة يؤدي إلى حلّ كثير من المشاكل التي يعاني منها أفراد المجتمع الإيراني. لكنّ المشكلة الأكبر من البطالة، هي عدم الفعالية الإنتاجية. الشخص غير الفاعل، هو الذي لا يعمل على الرغم من قدرته على العمل في بعض الأحيان، لكن هناك من يعيله ويؤمن له قوت حياته ويتكفل بأمور معيشته، شأن ميترا التي ما زالت تتقاضى من والدها كلّ مصاريفها خصوصاً أنّ عائلتها من الطبقة الوسطى.

تشير دراسة من وكالة "مهر" إلى أنّ عدد غير الفاعلين في إيران (بمن فيهم الأطفال) يتجاوز 40 مليون شخص. لا يمارس هؤلاء أي نشاط منتج في بلد يزيد عدد سكانه على سبعين مليون نسمة.

الإيرانيات تحديداً لا يعملن. وتشير الأرقام إلى أنّ 11.5 في المائة منهن فقط يعملن، على الرغم من أنّ كثيرات يحملن شهادات جامعية. إذاً، معظم غير الفاعلين إنتاجياً هم من النساء، ومن الطبقتين الوسطى والفقيرة، ومن الفئة الشابة ما بين 18 عاماً و30.

والأشخاص غير الفاعلين إنتاجياً في إيران هم من الشريحة العمرية التي تمتد من 10 أعوام حتى 65. من بين هؤلاء 11 مليوناً و933 ألف ذكر، و28 مليون أنثى معظمهن من المتخرجات الحاصلات على شهادة البكالوريوس على الأقل، ما يعني وجود حاملات للشهادات العليا أيضاً.

دراسة "مهر" نفسها تشير إلى وجود 21 مليون مواطن يعملون في كل أنحاء البلاد، و2.5 مليون في طور البحث عن عمل، والباقي من المواطنين جالسون في منازلهم. يتوزع غير الفاعلين في كلّ أنحاء البلاد، لكنّ حصة العاصمة طهران هي الأعلى. ومن بين 40 مليون غير فاعل، فإنّ مدينة طهران وحدها تضمّ 986 ألفاً. تليها أصفهان بـ317 ألفاً.

من أسباب هذه الظاهرة بحسب الخبراء الاجتماعيين انتظار الأشخاص غير الفاعلين ظروفاً اجتماعية واقتصادية أفضل، كي يباشروا مشاريعهم الصغيرة ويحققوا آمالهم التي ينتظرونها. يأتي ذلك خصوصاً وأنّ الاتفاق النووي الأخير يسمح بإلغاء العقوبات المفروضة على البلاد وهي التي أدت في الأصل إلى تعطيل عدد من المشاريع.

كما يشير بعض الخبراء إلى أنّ غير الفاعلين لم يجدوا فرص العمل التي تناسبهم أو التي يرغبون بها حقيقة. وهو ما أدى إلى خلق حالة من اليأس لديهم، فقرروا الجلوس في منازلهم، خصوصاً مع وجود معيل لهم. كما أنّ أبناء الطبقات الغنية في المجتمع الذين لا يحتاجون إلى العمل قرر كثير منهم تعطيل أعمالهم كون الأوضاع الحالية لا تناسبهم. وعدد هؤلاء الأغنياء نحو 3 ملايين شخص.

في المقابل، هناك فئات من المرضى، أو من الأشخاص المعوقين، يبلغ عددهم نحو مليونين. وظروف عمل هؤلاء صعبة للغاية إن وجدت. كما أنّ هنالك نحو 20 مليوناً تمنعهم مسؤوليات شخصية وعائلية من العمل. ومعظم هؤلاء من النساء.

في هذا السياق، يقول رئيس نقابة المتخصصين والداعمين الاجتماعيين، مصطفى إقليما، إنّ أسباب هذه الظاهرة مختلفة وعديدة، ولا شك أنّ تبعاتها سلبية ومتعددة أيضاً.

يقول إقليما لـ"العربي الجديد" إنّ نسب البطالة في المجتمع أكثر من العدد المعلن عنه رسمياً. يضيف أنّ المسجلين في جداول البطالة الحكومية هم من ليست لديهم وظائف، ومن لا يعملون على الإطلاق "بينما هناك كثيرون يعملون في الأشغال الحرة، ومنهم من يعمل ساعات قليلة في اليوم، والحكومة لا تحتسب هؤلاء في جداول البطالة، مع أنّهم من غير الحاصلين على فرص عمل ثابتة ملائمة تساعد المجتمع".

على الرغم من رفع رواتب العمال بنسبة 10 في المائة، خلال الأعوام القليلة الماضية، فإنّ صعوبة الظروف المعيشية وارتفاع الأسعار وتعطيل مشاريع كثيرة بسبب الوضع الاقتصادي، دفع كثيرين إلى البطالة، وزاد من معدلات غير الفاعلين إنتاجياً. يعتبر إقليما أنّ الحلّ الوحيد هو زيادة الإنتاج. وهو ما سيسمح للعجلة بالدوران ويدفع غير الفاعلين إلى العمل، كما سيؤمن الوظائف للعاطلين من العمل.

من جهته، يشير مركز الدراسات التابع لمجلس الشورى الإسلامي إلى أنّ ارتفاع عدد سكان إيران سنوياً، يعني حاجة كثيرين إلى دخول سوق العمل التي لا يمكن أن تستجيب لكل هذه المتطلبات، وهو ما يعني معدلات بطالة أعلى ومعدلات غير فاعلية إنتاجية أكبر. كما تلفت دراسة "مهر" إلى أنّ استمرار الوضع على هذه الحال، سيرفع عدد من يعانون من البطالة إلى 5 ملايين و770 ألفاً بحلول عام 2020، وهو ما سينعكس سلباً على فاعلية الأفراد في المجتمع لأنّ المشكلتين مرتبطتان ببعضهما بعضاً. بالتالي، يحتاج المجتمع الإيراني إلى حلول وخطط عملية تتعلق بسوق العمل أولاً، لحلّ المشكلة والاستفادة إيجاباً من أعداد الإيرانيين المتزايدة في الوقت نفسه بحسب الخبراء.

اقرأ أيضاً: مليون إيراني بلا هويّات
دلالات
المساهمون