عيون نساء تعز اليمنية فداءً لكرامة المدينة وحريتها

تعز

محمد عبد الملك

avata
محمد عبد الملك
25 مارس 2015
+ الخط -


أصابتها شظية رصاصة بعينها اليسرى، كانت الدماء تسيل منها فتمسحها بيديها، وتسأل عن حال باقي الشباب، وعن أحوال الجرحى وتقسم قائلة:"هذه عيني ضحيت بها فداءً لمدينتي تعز، وما تبقى من جسدي سأفدي به اليمن". هكذا تروي الشابة العشرينية ﺭﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ من مدينة تعز تفاصيل ما حدث لزميلتها الممرضة داليا محمد( 25 عاماً).


احتفلت داليا بتخرجها من كلية الطب منذ فترة قريبة بتقدير امتياز، كما حصلت على منحة دراسية إلى دولة مصر، لكن هذا لم يمنعها من الخروج ومشاركة الشباب في المسيرات الأخيرة ضد جماعة الحوثي، بعد أن اجتاحت مدينتهم التي يطلقون عليها "تعز الحالمة"، والتي تعتبر الوجه الحضاري لليمن والمحافظة المطبوعة بالثقافة والأكثر تعداداً للسكان.

تعز في عيون نسائها 

الممرضة داليا محمد، الناشطة خديجة المقرمي، الثائرة كفا وازع، الشابة جهاد الشرعبي والمصورة ربا الجندي، هؤلاء النسوة اللواتي حوصرن عندما اشتد إطلاق الرصاص من قبل القوات الخاصة ـ الحوثيين ـ فاستطاع الشباب المتظاهرون أن ينجوا بأنفسهم فيما بقيت النساء الخمس محاصرات من كل اتجاه، وكان لا يزال معهن أحد الشبان، وسرعان ما بدأ الجنود  بإطلاق الرصاص عليهن مباشرةً فحاولن الاحتماء بالجدران.

اقترب الجنود باتجاهه، لكن الشاب استطاع أن يتحدى الرصاص، وصاح "أنا سأحميكن" كما طلب منهن الاحتماء به، حتى يخرجوا إلى مكان بعيد عن الجنود، لكنهن فوجئن بسقوطه أمامهن جريحاً، وقد أصيب برصاصة في صدره.

ويوضح طه صالح، مصور صحافي، لـ"العربي الجديد" قائلاً: "كل من حاول منّا إسعاف الشاب أطلقوا عليه الرصاص، وقاموا بركله بأرجلهم وهو ينزف على الإسفلت، في تلك اللحظات حاول الجنود استهداف النساء مرة أخرى، فأصيبت الممرضة داليا في عينها، ويؤكد التقرير الطبي في المستشفى الذي أسعفت إليه أنها قد تفقد الرؤية بعينها اليسرى".


وتقول صديقات داليا بإنها كانت تقوم بإسعاف المصابين بالغازات، وتوزع لهم الكمامات الواقية، وترشدهم بنصائح عن كيفية التعامل مع الغاز السام، في حين كانت الشابة خديجة (18 عاما)، وهي خريجة ثانوية عامة، على تصوير الأحداث بكاميرتها الصغيرة، وكذلك ربا الجندي التي تولت توثيق جرائم القتل، في الوقت التي كانت فيه الثائرة كفا تهتف في وجه الحوثيين وتطالبهم بالرحيل.

وتشير إلى أن إصابة داليا في عينها لم تمنعها من التوقف عن مهمتها، وأثناء عملية إسعافها وإصابة عينها كانت تصر على العودة مرة أخرى إلى المكان لتشارك بإسعاف الجرحى. وتفيد ربا بأنها سمعتها تقول بأن الأهم من عينها هو فقط أن لا يحتل الحوثي مدينة تعز.

يؤكد أحد الشبان واسمه طه، وهو واحد من بين الكثيرين الذين أصيبوا بالاختناق وأسعفتهم الممرضة داليا، بأنه كان يصادفها أمامه باستمرار، وإن الشابة جهاد الشرعبي لم يثنها كل هذا الذي يحدث حولها عن تصوير الأحداث ونشرها بشكل مباشر عبر صفحات الفيسبوك ونقل الأخبار أولاً بأول.

ابتكارات جديدة 

عادةً ما تبتكر الفتيات في تعز أساليب جديدة في الثورة والتظاهرات، من بينها التفنن في كتابة الشعارات بنقشة الحناء على أيديهن، أو رسم علم الجمهورية اليمنية بالألوان. وتعتبر تعز بالنسبة لخديجة أعظم ما يمكن لها أن تضحي من أجله ويرخص في سبيلها كل شيء.

إلى ذلك، تشير الأستاذة صباح الشرعبي ـ عضو في مؤتمر الحوار الوطني ـ بأن أغلب الشعارات المرسومة بأكف نساء تعز تعبر عن وعيهن بالإصرار على الحفاظ على سلمية الثورة، وأنهن قبل كل شيء يرفضن القوى الرجعية، خصوصاً وهي المعروفة بالتعايش والحب والثورة والكتاب.

وتشدد خديجة على ذلك في حديثها لـ"العربي الجديد" قائلةً: "ما نكتبه على أيدينا يعبّر عما بداخلنا من حب ووطنية وثورة وغضب، ولكن لأن أغلب من نخاطبهم لا يسمعون ما نقوله، نكتبها على أيدينا لكي يروها وإن لم يروها فسنظل نهتف بها بحناجرنا".

من بين تلك العبارات المكتوبة "أعلنّا قسمنا... أن نحمي وطننا... ونواصل ثورتنا... ولو طال الزمان"، وكل مطلب خديجة هو أن "يخرج الحوثي من المحافظة ويترك البلاد والعباد ويترك العبث والتدمير" على حدّ تعبيرها.


إزاء ذلك، توجه الناشطة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام تحياتها إلى شباب تعز لصمودهم وتقول لهم: "أحييكم وأبوس الأرض تحت أقدامكم وأقول أفديكم"، وتضيف "تعز العز تقول كلمتها بوجه مليشيات الحوثي والمخلوع الغازية، ومن تعز يبدأ الزحف الثوري العظيم".

في الاتجاه نفسه، وجهت الدكتورة في جامعة تعز ألفت الدبعي دعوة إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، طالبته فيها بفتح باب المعسكرات لتجنيد النساء من أجل الالتحاق بمعسكرات الدفاع عن محافظتي تعز وعدن، وذلك في حال استمرت جماعة الحوثي في قيادة البلاد نحو الحرب.

ومن ناحيتها، تعتبر صباح الشرعبي أن فكرة مشاركة نساء تعز وتضحياتهن جزء من مشاركة الرجال من أبناء المحافظة في الدفاع عن كرامة تعز، ولا تتردد صباح في إبداء مخاوفها من أن تدنس المدينة من قبل من لا يعرف قيمتها ومكانتها، وتقصد بذلك الحوثيين.

و"تعز لا علاقة لها بالجغرافيا، الوطن كله يتوهج في تعز، هي مدينة الضوء وهي الثقب الأسود" هكذا يصفها محمد العمراني أحد أبنائها، أما الشاعر الشاب عامر السعيدي، فقد دفعته  مشاهدته لإصابات النساء إلى كتابة تلك السطور:

النساء اللواتي يدسن بأقدامهنّ الحماقة والأغبياء... نساء تعزْ

النساء اللواتي كبُرن على الموت والخوف والمعتمين... نساء تعز 

النساء اللواتي يعلّمننا الكبرياء وحب البلاد... نساء تعزْ

اقرأ أيضاً:هل تؤيد مصادرة الأسر اليمنية ميراث المرأة.. ولماذا؟

المساهمون