استمع إلى الملخص
- يمثل الحمّام جزءًا من إرث مصر الثقافي والحضاري، وقد زاره شخصيات بارزة، مؤكدًا على قيمته كمعلم تاريخي. يعاني من تأثيرات العوامل المناخية مثل التعرية والأمطار، مما يهدد بتدميره.
- الخبراء والسلطات يطالبون بإجراءات فورية لحمايته وصيانته، مثل تركيب أنظمة صرف مناسبة وتعزيز الحراسة، مشددين على أن المحافظة عليه تعد مسؤولية وطنية للحفاظ على هذا المعلم الفريد.
يذكر الباحثون والمؤرخون أن الحمّام الإمبراطوري الكبير يكاد يكون أحد أعرق المعالم التاريخية في الإسكندرية، إلا أن هذه العراقة لا تمنحه الحصانة من الإهمال الذي قد يؤدي إلى اندثاره. ويواجه الحمّام الإمبراطوري الكبير، أحد أعرق المعالم التاريخية في الإسكندرية شمالي مصر، خطر الاندثار نتيجة تجاهل المسؤولين وإهمالهم الحفاظ عليه من العوامل الطبيعية والمناخية، إلى جانب التعديات عليه، رغم أهميته الكبيرة وطرازه الفريد.
ويُعَدّ الحمّام الإمبراطوري الكبير والمعروف باسم الحمّام المصري، الوحيد من نوعه في الإسكندرية، وأحد أقدم الحمّامات العامة في مصر، وقد ظهر منذ عهد البطالمة الأوائل، فيما تؤكد الشواهد المعمارية أن المبنى تأسَّس وبُنيَ في نهاية القرن الثالث الميلادي، وأُعِيد بناؤه بعد الزلزال الكبير في عام 535 ميلادياً.
يقول الباحث في الآثار حسن صلاح، وهو عضو مؤسسة أحفاد الإسكندر الأكبر، لـ "العربي الجديد"، إن الحمّام الإمبراطوري الكبير الذي يوجد في منطقة كوم الدكة بوسط الإسكندرية يُعَدّ شاهداً على تاريخ مصر العريق، ويمثل إرثاً ثقافياً وحضارياً لا يُقدر بثمن. ويشير إلى أن مدينة الإسكندرية ضمت عشرات الحمّامات العامة منذ عام 331 قبل الميلاد. بنى أولها الإسكندر الأكبر، وازدهرت خلال العصور الهلينستية والرومانية، ولم يبقَ منها سوى حمّام المصري وسط المدينة الذي يحتفظ بشكله الأثري، ومُسجَّل في وزارة الآثار أنّ من بين أشهر زواره زوجة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وزوجتي الرئيسين المصريين الراحلين جيهان السادات وسوزان مبارك، وعدداً من رؤساء الدول وزوجاتهم.
ويؤكد الخبير الأثري أن المحافظة مسؤولة عن صيانة الحمّام الإمبراطوري، وهذه مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، كأحد أهم المواقع الأثرية في مصر. ويشير إلى أن الحمّام بُني من الطوب الأحمر المصنوع من طمي النيل. لكن مع مرور القرون وعدم وجود حماية كافية، وصل إلى حالته الحالية بفعل الإهمال والتأثير السلبي للعوامل المناخية، مثل التعرية والأمطار والرياح.
وتطالب السلطات المختصة باتخاذ إجراءات فورية لحماية الحمّام وصيانة الهياكل المعمارية وتركيب أنظمة الصرف المناسبة، لمنع تأثر الموقع بالعوامل المناخية، بالإضافة إلى تطبيق استراتيجيات للحفاظ على البيئة المحيطة، وتعزيز الحراسة والمراقبة المستمرة للموقع بهدف الحفاظ على هذا المعلم التاريخي الفريد، وإبرازه بكونه أحد أهم معالم الإسكندرية، ولمنع أي أضرار أخرى.
من جهته، يرى رئيس لجنة حفظ التراث سابقاً وأستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية الدكتور محمد عوض، أن إهمال الحمام المصري لم يكن شيئاً جديداً، بسبب ما وصفه بسلبية هيئة الآثار في الحفاظ على الحمّامات الأثرية، التي تعاني إهمالاً جسيماً منذ زمن بعد تركها في حيازات وملكيات خاصة لعقود طويلة، حتى تمكّن المعتدون من تغيير معالمها والبناء عليها. ويوضح عوض في حديثة لـ "العربي الجديد" أن حمّام المصري الذي يعاني هو الآخر من الإهمال، هو الحمّام الوحيد المسجل ضمن القائمة التابعة للهيئة بقرار وزاري رقم 630 لسنة 1999، فيما تعرضت الحمّامات الأخرى للإهمال، وتحول عدد منها إلى أطلال وطُمست معالمها بعدما بقيت في حيازات خاصة، ما تسبب في اندثارها.
يضيف عوض أن الإدارات المتعاقبة لهيئة الآثار لم تهتم بتسجيل حمامات الإسكندرية، واستمر هذا الوضع حتى عام 1999، ووُضعَت قائمة للحفاظ على تراث المدينة للقرن التاسع عشر والقرن العشرين. وفي ذلك الوقت، سُجِّل حمّام المصري فقط، وأُهمِلَت الحمّامات الأخرى أو حُفِظَت باعتبارها آثاراً إسلامية. وعند إنشاء المجلس البلدي عام 1890، اقتصر دوره على الإشراف الصحي وتنظيم إدارة الحمامات فقط.
من جهته، يحذر مدرس التاريخ والإرشاد السياحي ونقيب المرشدين السياحيين السابق، إسلام عاصم، من اندثار الحمّام الإمبراطوري الكبير وضياعه مثل ما حدث مع حمّام الدهب، الذي خرج من قائمة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في عام 2012 بسبب الإهمال وامتلاء معظم أجزائه بالمخلفات، الأمر الذي مكّن مالك المبنى من الحصول على حكم قضائي باستخراج رخصة هدم المبنى التاريخي. ويشير إلى أن الإسكندرية عرفت الحمّامات العامة منذ نشأتها عام 331 ق.م على يد الإسكندر الأكبر وخلال العصور الهلينستية والرومانية التي أنشئت قديماً لعدد من الأهداف، أهمها الاستحمام والنظافة، وبعضها كان يُستخدَم لعلاج الأمراض، إلى جانب أهداف أخرى، وهي المشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى دوره غير المباشر في نظافة الحيّ. وكانت القمامة تُجمَع لاستغلالها وقوداً لتسخين المياه. كذلك لعبت الحمّامات دوراً مهماً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العصور الإسلامية، إذ كانت شاهداً على أحداث مهمة.
ويلفت عاصم إلى أن المصادر التاريخية المتعلقة بالبناء المعماري للحمّامات في الإسكندرية خلال العصر الروماني بالغة الندرة. ورغم ذلك، فقد اكتُشِفت بقايا حمّامات متنوعة الأشكال، ما يشير إلى أن حمّامات الإسكندرية كانت تتميز بخصائص معمارية وثقافية إلى جانب وظيفتها الأساسية بوصفها أماكن للاغتسال. ويشير إلى أنه على الرغم من ذلك، فقد اكتُشِفَت بعض الحمّامات التي كانت مشتركة بين الرجال والنساء، ومنها الحمّام الإمبراطوري الكبير الذي يتميز بسماته المعمارية الفريدة، ويُعتبَر من أكبر الحمّامات الرومانية المعروفة في مصر، وكان يُستخدم أحيانًا على نحو مؤقت من قبل أحد الجنسين فقط، ما يعكس جوانب من الحياة اليومية في ذلك الوقت.
في سياق متصل، تتحدث الباحثة في مجال الآثار، آية رمضان مصطفى، عن العناصر المعمارية الرئيسية للحمّام الإمبراطوري، وتقول لـ"العربي الجديد": "هناك مدخل وفناء، ويحتوي على أعمدة من الغرانيت الأحمر وتيجان رخامية بأساليب كورنثية وآيونية، كذلك عُثر على قاعدة لتمثال ربما كان للإمبراطور أو لصاحب الحمّام نفسه". تضيف: "هناك حجرة لخلع الملابس تقع على بُعد 5 أمتار إلى اليسار من المدخل والفناء، مبنية من الحجر الجيري، وتحتوي على مصطبة دائرية تلتف حول عمود، ربما لجلوس المستحمين في أثناء خلع ملابسهم. كذلك توجد آثار لجدار مبنيّ من الحجر الجيري ربما لتعليق الملابس، وبعد حجرة خلع الملابس يوجد حوض لغسل الأقدام، والذي يؤدي مباشرة إلى الحمام".
تتابع مصطفى: "دمر الزلزال القسم الشمالي من الحمّام، بما في ذلك حجرة الماء الساخن وحجرة الماء البارد، ولكن لا تزال بقية حجرات الحمّام وملحقاته قابلة للتعرف إليها، وتشمل حجرة المياه الباردة، وحجرة الهواء الساخن، وحجرة المياه الساخنة، وحجرة السونا، بالإضافة إلى مرحاض". وتشير إلى وجود مخازن للحمّام، وإلى الغرب منها حمّام خاص بصاحب الحمّام وحمّام أطفال وحجرة انتظار، ويحيط بالحمّام من الخارج نفق مبنيّ تحت الأرض له سقف قبوي من الحجر الجيري، مفتوح على الأفران الجنوبية والغربية بأقواس لتزويد هذه الأفران بالوقود.
أمّا المدير العام للآثار الإسلامية بالإسكندرية محمد متولي فيقول لـ "العربي الجديد" إن الحمّامات العامة الأثرية بالمدينة لم يتبق منها سوى حمّام واحد فقط، وهو حمّام المصري، ومسجَّل بوزارة الآثار، ويحتفظ بشكله حتى الآن منذ سنوات طويلة ويحتاج إلى ترميم وتطوير". ويؤكد أنه "تمت مخاطبة الوزارة لاستغلال الحمّام كأثر، وبدء خطة تطويره، فوضعته هيئة الآثار ضمن برنامج التطوير لترميمه والاستفادة منه لجعله مزاراً سياحياً".