قمل في مدارس سورية ومعتقلاتها

11 يناير 2015
اكتظاظ مدارس حلب يتسبّب في انتقال العدوى سريعاً(فرانس برس)
+ الخط -

ينتشر القمل بين السوريّين، ليعكس الحال الذي يعيشه اللاجئون. فيشير عبود سركيس، وهو أحد متطوعي الهلال الأحمر إلى أنّ "انتشار هذه العدوى وتحوّلها إلى وباء في عديد من المدن، أمر متوقع بسبب انقطاع المياه". ويوضح أنّ "عدداً كبيراً من المصابين لا يستطيعون الاستحمام أكثر من مرّة أسبوعياً، ما يؤدي إلى امتداد فترة الإصابة والتسبّب في عدوى للآخرين".

وفي هذا الإطار، يلفت صادق، وهو مدير أحد مستودعات الدواء، فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملاً، إلى طلب كبير على المتسحضرات الدوائيّة التي تعالج هذه الحالة. ويقول إنّ "الطلب الأكبر يتركز في محافظة حلب التي تسجل أكبر نسب إصابة، تليها حماه وإدلب ودمشق".

وفي حين يطمئن صادق إلى توفّر مستحضرات مفيدة في الصيدليات كالشامبو والبخاخات للعلاج والوقاية، ينصح "باستخدام المستوردة منها على الرغم من ثمنها المرتفع. فثمّة مستحضرات محليّة مغشوشة لا يتجاوز سعرها 150 ليرة سوريّة (نحو 85 سنتاً من الدولار الأميركي)، إلا أن فائدتها الطبيّة معدومة".

من جهته، يوضح الطبيب المتخصص في الأمراض الجلديّة، فادي إسماعيل، أنّ "نسب الإصابة الأكبر في المدينة تتركز في المدارس وسجون النظام ومعتقلاته. وهي تطال بعض تجمعات النازحين". يضيف أن "أكثر المصابين هم من الأطفال الذين ينقلونها عادة إلى بقيّة أفراد عائلتهم، عندما يقوم الأهالي باحتضانهم".

إلى ذلك، يشدّد إسماعيل على أنّ "انعدام النظافة يتسبّب في ازدياد أعداد المصابين بالجرب أيضاً". ويتابع أنه "وعلى الرغم من سهولة انتقال عدوى الجرب، إلا أن أعداد المصابين بالقمل ما زالت أكبر". ويشرح أن "مريض الجرب لا يستطيع إخفاء إصابته، لذا فإن المحيطين به يكونون أكثر حذراً في مشاركته الأشياء أو لمسه. كذلك فإن التلاميذ يبتعدون عن الطفل المصاب بالجرب، فيما لا تظهر الإصابة بالقمل على صاحبها".

إلى ذلك، تمتدّ العدوى إلى الأحياء التي تقع تحت سيطرة المعارضة في حلب. وقد أصدر العاملون في حملة مكافحة الأوبئة فيها بياناً في الشهر المنصرم، أعلنوا فيه تحوّل العدوى بالقمل والجرب إلى وباء، مطالبين بتدخل المسؤولين والمنظمات الطبيّة، وبوقف العمليّة التعليميّة في مدارس عدّة. فقد وصلت نسبة الإصابة بالقمل في إحداها، إلى 100%.

ويحذّر الطبيب عبدالله الشيخ من "حالات متقدّمة في حي السكري، تترافق فيها الإصابة بقمل الجسم مع قمل الشعر، وأحياناً مع الجرب، ويصاب فيها المريض بالتهابات جلديّة وتقرحات، بسبب الحكة وغياب النظافة الشخصيّة".

تراجع تعليمي

بالنسبة إلى المدرّسة حياة بصمجي، "نحن اعتدنا في مجتمعنا التستّر على هذا النوع من العدوى. لكننا كمدرسات نعرف جيداً أن حجم المشكلة كبير، ويجب الاعتراف بها وحلها". وتتابع "ثمّة 54 تلميذاً في صفي، 23 منهم مصابون بالقمل. وأنا أقوم مع بعض الزميلات بتفحّص أسبوعي لشعر التلاميذ. وبعدها نعلم أهالي المصابين حتى يؤمنوا لهم العلاج".

وتشتكي بصمجي من "اكتظاظ مدارس مدينة حلب التابعة للنظام، الأمر الذي يتسبب في انتقال العدوى سريعاً". تضيف "كل ما أستطيع فعله هو السماح بتغيّب المصاب لأيام حتى يُعالج، وتغطية رؤوس المصابين بالعدوى. لكنّني عاجزة عن منع العدوى في صف يجلس فيه أربعة تلاميذ على مقعد واحد".

من جهتها، تتحدّث هالة (اسم مستعار) وهي مديرة إحدى مدارس دمشق عن "عزوف أهال كثر عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة خوفاً من العدوى. وقد وصلت نسبة المتغيّبين إلى 30% الشهر الماضي". وتشكو من عدم قيام أي جهة رسميّة تربويّة أو صحيّة بمبادرة لتأمين سبل الوقاية والعلاج. وتلفت إلى أنّ "بعض الأهالي باتوا يكتفون بإرسال أطفالهم إلى الامتحانات الفصليّة، خوفاً من القمل والأمراض الأخرى، وهو ما يؤثر سلباً على مستواهم التعليمي".

في المعتقلات

من جهة أخرى، يشير إسماعيل إلى أنَ "المعتقلات والسجون السوريّة تشكّل بؤرة للقمل بمختلف أشكاله. فهو يغزو أجساد المعتقلين ويتغلغل في الأغطية والملابس، ومن الصعب أن ينجو أحدهم من الإصابة به، بسبب حالة الاكتظاظ والتماسّ الجسدي الكبير فيما بينهم".

ويروي علي إبراهيم وهو معتقل سابق تجربته، قائلاً "لم نكن قادرين على الاستحمام أو الحلاقة لأشهر متواصلة. كان القمل يتغلغل بيننا". يضيف "كان كثر يبالغون في الحك حتى تصاب أجسامهم بتقرحات. وبعضنا كان يتعرّى لإبعاد القمل". ويتابع "القمل كغيره من وسائل التعذيب المقصودة الأخرى. وليس بإمكان المعتقل إلا التعايش معها".
المساهمون