استمع إلى الملخص
- توقف الدعم أدى لإغلاق صيدليات خيرية وتأثر 77 منشأة صحية، مهددًا حياة 3 ملايين نسمة في إدلب وخدمات الصحة الإنجابية لـ130 ألف امرأة، مع تحول اهتمام المانحين لمناطق أخرى.
- مدير "صحة إدلب" يسعى لحل الأزمة بالتواصل مع منظمات لتأمين دعم بـ25 مليون دولار، مقترحًا دمج المنشآت الصحية لتخفيف النفقات، مع التأكيد على أهمية استمرار المساعدات لـ1.7 مليون نازح و90% من السكان تحت خط الفقر.
يعيش السوري أحمد علي المصطفى في قرية البلاط شمالي إدلب، ويخشى من عدم تمكنه من تلقي العلاج الذي يواظب عليه منذ أعوام لأن مشفى الرحمة بمدينة دركوش الذي يقدم له العلاج مهدد بوقف خدماته نتيجة توقف الدعم.
يعاني المصطفى من مرض الربو المزمن، ويضطر إلى مراجعة المشفى كل أسبوع تقريباً لتلقي العلاج حتى لا تسوء حالته الصحية، ومثله مئات من مرضى المنطقة الذين يخدمهم المشفى. يقول المصطفى لـ"العربي الجديد"، إن "تدهور أوضاع أصحاب الأمراض الصدرية المزمنة مثلي قد يؤدي إلى الموت، لذا تشتد الحاجة إلى وجود مشفى قريب يضم جميع الاختصاصات. توقف الدعم بالفعل، والكادر الطبي يقوم بعمله متطوعاً، وأقبع منذ ثلاثة أيام في المشفى حتى يطمئنوا على حالتي".
وينتظر عشرات من المرضى دورهم داخل المشفى لمراجعة قسم العيادات أو الأقسام التخصصية، في حين توقفت الصيدليات الخيرية الثلاث الملحقة بالمشفى عن العمل نتيجة توقف الدعم، وبات المرضى مضطرين إلى شراء أدويتهم على نفقتهم الشخصية، وغالبيتها باهظة الثمن مقارنة بما يملكونه من مال، فالأدوية التي يستخدمها أحمد المصطفى تصل تكلفتها إلى نحو 700 ليرة تركية أسبوعياً.
وفي نهاية إبريل/نيسان الماضي، توقفت 77 منشأة صحية عن العمل، من بينها 17 مشفى متخصصا في النسائية والأطفال. وباتت 112 منشأة صحية في إدلب، بين مركز رعاية أولية ومركز تخصصي ومشفى، مهددة بتوقف خدماتها نتيجة توقف الدعم بحلول نهاية يونيو/حزيران المقبل، وتلك المنشآت تخدم نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم من سكان المخيمات النازحين والمهجرين قسراً، ومن بين هؤلاء 130 ألف امرأة ستفقد خدمات الصحة الإنجابية.
وأدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى خطف أنظار المانحين ومقدمي المساعدات الدوليين، وسبق ذلك توجه دولي لتقديم المساعدات إلى أوكرانيا، ثم إلى السودان، ما جعل منطقة شمال غربي سورية في ذيل الأولويات.
يرافق محمد الملوحي طفله حديث الولادة في مشفى الرحمة، إذ لا يزال المشفى قادراً على تقديم خدمات العناية بالخدج وحديثي الولادة. ويقول لـ"العربي الجديد": "ليس هناك مشفى خيري في المنطقة يستقبل طفلي سوى مشفى الرحمة، وتكلفة دخول مشفى خاص تبلغ في اليوم الواحد نحو 150 دولاراً، ولا أملك توفير هذه المبالغ". يعاني الرضيع عمر الملوحي من نقص في الأكسجة، ما يجعله محتاجاً للبقاء في الرعاية الفائقة حتى تتحسن حالته، ويؤكد والده: "كنت سأفقد طفلي في حال لم أجد مشفى يستقبله. لماذا يتوقف دعم المشافي؟ هل يريدون ترك الأطفال للموت؟".
وكشفت كارثة زلزال شباط/ فبراير 2022، هشاشة القطاع الصحي في مناطق شمال غربي سورية غير الخاضعة لسيطرة النظام، ليس فقك لضعف الكوادر أو البنى التحتية، وإنما أيضاً لعدم وجود استراتيجية ثابتة لدعم القطاع الذي يعتمد بشكل رئيسي على الدعم المرحلي.
وحالياً، يوجد في المنطقة عدد محدود من المنشآت الصحية العاملة، من بينها 19 مشفى عاماً، وهي لا تكفي لخدمة سكان المنطقة والمهجرين والنازحين إليها. ويؤكد مدير "صحة إدلب"، زهير قراط، أنه في حال عدم إيجاد حلول، ستتوقف معظم المنشآت الصحية عن العمل، ما يهدد حياة الكثير من المرضى، وقد يفضي لانتشار الأمراض والأوبئة.
ويوضح قراط لـ"العربي الجديد"، أنهم يقومون بإجراء اجتماعات مناصرة، والتواصل مع المنظمات المحلية المختصة في الشأن الصحي، ومنظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية و"يونيسف"، إضافة إلى التواصل مع المانحين الدوليين لمحاولة تغطية هذا الخلل، إن لم يكن بشكل كامل فبشكل جزئي.
ويضيف: "العجر القائم يبلغ نحو 25 مليون دولار، وهذا يؤثر على الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، إضافة إلى إمكانية انتشار الأمراض والأوبئة في فصل الصيف، كما أن هناك خطرا على حياة مرضى الأمراض المزمنة نتيجة فقدان الرعاية في المشافي، وتوقف تقديم الأدوية لهم ولغيرهم من المرضى.
ومن بين الحلول المطروحة دمج المنشآت الصحية لتخفيف النفقات التشغيلية والإدارية، وتقليل المراكز الصحية في المناطق قليلة الاحتياج، ونقل الدعم الخاص بها إلى المشافي التخصصية التي تعد ذات أهمية عالية في شمال غربي سورية، إضافة إلى محاولة إيجاد مانحين جدد لديهم اهتمام بانتشال منطقتنا من خطر توقف الخدمات الصحية فيها".
يتابع قراط: "نعلم أن هناك مناطق في الإقليم والعالم تحتاج إلى المساعدات، لكن هذا لا يعني أن منطقتنا ليست بحاجة إليها، لا سيما أن لدينا 1.7 مليون نازح، ونحو 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر، وهذا الواقع يحتاج إلى استمرار تقديم المساعدات لهم، لا سيما الصحية منها".