استمع إلى الملخص
- استعادة الموصل استغرقت نحو عشرة أشهر من المعارك الشرسة حتى يوليو 2017، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية، وتبع ذلك سقوط مدن عراقية أخرى.
- الوضع في الموصل يشهد استقراراً نسبياً لكن الأهالي يعانون من جراح نفسية وجسدية عميقة، مطالبين بدعم أكبر ومحاسبة المسؤولين عن الدمار، في ظل جهود حكومية وبرلمانية للتحقيق دون نتائج ملموسة.
يوافق اليوم الاثنين مرور عشر سنوات على سقوط الموصل، ثاني كبرى مدن العراق، بقبضة تنظيم داعش الإرهابي في العاشر من يونيو/ حزيران 2014، وما خلّفه الحدث من مآسٍ إنسانية واجتماعية وأمنية وسياسية، وأحداث مروعة مرَّت على أهالي المدينة وبقية المناطق التي انسحبت إليها أعمال العنف والتشريد والتقتيل، كما لم ينس الناجون الانسحاب المشبوه للقوات العراقية، الذي لم يُفسر حتى مع كل هذا الوقت الطويل. وكما أن آثار الحرب التي لا تزال شاخصة في الموصل، فإن ندوباً وجراحاً لا تزال في أجساد ونفوس الموصليين.
سقوط الموصل وضحايا معارك التحرير
ومنذ سقوط الموصل وحتى إعلان استعادة آخر المناطق من سيطرة التنظيم بين عامي 2014 و2017، أدت معارك تحرير المدن إلى سقوط أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص المختطفين والمغيبين، فيما يؤكد ناشطون من المدينة أن كل مواطن من الموصل أخذ حصته من الآلام والذكريات المريرة، فيما هناك من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة نسبة كبيرة، بالإضافة إلى المصابين بالحالات النفسية. وبالرغم من أن أغلبيتهم مسجلون لدى الدوائر والمؤسسات الحكومية المعنية بحالاتهم، لكنهم يطمحون إلى مزيدٍ من الرعاية.
بعد سقوط مدينة الموصل بيد "داعش"، توالى سقوط أكثر من 20 مدينة عراقية في أقل من أسبوع، في شمال البلاد وغربها، أبرزها البعاج وتلعفر وسنجار والقيارة والحظر وربيعة والجزيرة، ثم تلتها تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وآلوس وبلدات أخرى، والتي شكّلت مساحة تزيد عن 45% من إجمالي الخريطة العراقية.
وخاض العراق، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، معارك عنيفة لاستعادة السيطرة على الموصل بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، استمرت نحو عشرة أشهر، لتنتهي بطرد مسلحي "داعش" في يوليو/ تموز 2017، مخلّفة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين.
وتبدو مدينة الموصل في أوضاع جيدة حالياً، عدا بعض المشكلات في مناطق الأقليات مثل المسيحيين، التي تسيطر عليها مليشيا "بابليون" بزعامة ريان الكلداني، وبلدة سنجار التي يحتلها مسلحو حزب العمال الكردستاني، والتي تمثل موطن الإيزيديين، ومناطق أخرى قريبة من الحدود السورية، وتسيطر عليها فصائل من "الحشد الشعبي" ومليشيات من "العمال الكردستاني". رغم ذلك، فإنّ نشطاء من الموصل يعتبرون أنّ الأوضاع مستقرة، لكن الآلام النفسية والحسرات في قلوب كل الأهالي من جرّاء ما حصل معهم.
ويقول الناشط من الموصل يحيى الأعرجي، إن "الدمار الذي خلفته الحرب يجرى العمل على إنهائه، لكن جراح الناس لا تزال غائرة ولم تلتئم من جرّاء المشاهد التي شاهدوها، بالإضافة إلى عدم اعتبار مقاومتهم ووقوفهم بوجه التنظيم، والعيش تحت ظلمه، فعلاً حسناً يستحق الإشادة الدائمة والمستمرة، لأن أهل الموصل عاشوا نحو ثلاث سنوات تحت ظلم التنظيم، وذاقوا الويلات والعذابات، لكنهم بعد ذلك تلقوا اللوم على كثير من الاتهامات غير الحقيقية".
وأضاف الأعرجي، لـ"العربي الجديد"، أن "الإنسان في الموصل يشعر بالغبن ويبحث عن مزيدٍ من الدعم النفسي والاهتمام الحكومي، وإعمار الأجزاء التي لا تزال مهدمة، مثل الساحل الأيمن في الموصل الذي لا يزال على حاله، ولم يعد إعماره"، مشيراً إلى أنّ "الموصل تضم أعداداً كبيرة من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة الذين ينتظرون دعماً إضافياً، سواء مالياً أو إعلامياً".
ولفت الأعرجي إلى أنّ "أكثر ما يتساءل عنه أهالي الموصل، ويتسبب في حزنهم وقلقهم من المستقبل، هو عدم محاسبة أي جهة سياسية أو شخصية من المتهمين بسقوط مدينتهم وتدميرها في حرب استمرت نحو أربعة أعوام، والرجال الذين عاشوا الفترات الصعبة تحت حكم التنظيم الإرهابي يشعرون بالغبن من إهمال محاسبة المتورطين بسقوط مدينتهم، والذين حرّضوا على قتل أهل الموصل ووصمهم بما ليس فيهم، وهذا الحديث هو الشغل الشاغل للأهالي منذ تحرير مدينتهم، ولو أن العدالة تحققت، لكان كثيرون منهم مرتاحين".
سقوط الموصل... تاريخ بلا محاسبة
وطيلة السنوات الماضية، غُيّب ملف التحقيق في سقوط الموصل الذي ناقشه البرلمان العراقي، ورغم استضافته قادة في الجيش والشرطة ومسؤولين من المدينة وآخرين من بغداد، لم تتحقق المحاسبة أو أي مظهر من مظاهر المحاكمة، وتحديداً من المتهمين الكبار في هذه الكارثة، وأبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي. وتزداد الاتهامات للقضاء الذي يساهم في تغييب الملف متأثراً بقادة الأحزاب والرغبة السياسية في طمس الحقائق، كما يقول مراقبون.
وخلّف احتلال الموصل تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية شملت جميع مدن العراق بلا استثناء، ناهيك عن دمار البنى التحتية، الذي كلّف، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيراً، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.
ومطلع العام الماضي، قال نائب رئيس البرلمان العراقي شاخوان عبد الله إن ملف التحقيق في سقوط مدينة الموصل على يد "داعش" ما زال قائماً ولم يغلق، من دون أن يوضح ما إذا كان الملف بعهدة القضاء أم داخل الحكومة، مضيفاً في بيان رسمي: "للأسف أكثر المتهمين (بالتسبب في سقوط الموصل) ما زالوا طلقاء من دون حساب أو قصاص"، مشدداً على أنّ البرلمان "سيعمل على تفعيل توصيات اللجنة النيابية التحقيقية التي تشكلت عام 2014 بعد أحداث الموصل، وهذا الملف ما زال قائماً ولم يغلق".
وجاء في التقرير أنّ "المالكي و35 مسؤولاً كبيراً يتحمّلون مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال". ويواجه القضاء اتهامات وانتقادات بالمماطلة في إنهاء الملف، وعدم استعمال الإجراءات القانونية في القبض على المتهمين والتحقيق معهم.
من جانبه، قال عضو الحكومة المحلية مروان الطائي إنّ "الحكومة المحلية في نينوى (مجلس المحافظة) أخذت على عاتقها الاهتمام جدياً بملفات الصحة الجسدية والنفسية لأهالي الموصل، لا سيما المتأثرين من الحرب، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام التي تحتاج إلى مزيدٍ من الإعمار"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "ملفات مثل محاسبة المتورطين بسقوط المدينة هي بيد الحكومة في بغداد بالإضافة إلى القضاء، ونحن يهمنا شعبنا المحلي، الذي تحمّل المصاعب الكثيرة، ونسعى إلى خدمته ضمن خطط ومشاريع جديدة، من بينها حملات التنمية والإعمار وتطوير القطاع الصحي وغيرها".