تتميز الجزائر بأعداد كبيرة من القباب والأضرحة والمزارات الدينية، والتي ارتبطت بمتصوفين وشخصيات دينية احتلّت مكانة اجتماعية ورمزية لدى المواطنين، من بينها أضرحة لنساء وليات صالحات من حبيبات الله، يطلق عليهن لقب "لالة" ويعني "السيدة المتميزة".
"يا لالة يا تركية وأنا سْمَعْتْ البندير، لاصَحَّة لا ذرية وتعاونيني بالخير"، وهي كلمات لأغنية شعبية يرددها زوار ضريح المرأة المتصوّفة "لالة تركية" الموجود في منطقة الرشايقة بولاية تيارت غرب العاصمة الجزائرية. ويمثّل ضريحها معلماً ثقافياً وتاريخياً تقام فيه احتفالات سنوية، ويتوافد إليه مئات الأشخاص من كل ربوع الوطن، بعضهم للتبرك وبعضهم بدافع الفضول لمعرفة قصة هذه السيدة.
واحتلت لالة تركية، التي تعد من من أبرز النساء الوليات في الجزائر، مكانة اجتماعية ورمزية في الخيال الاجتماعي في البلاد. ويكشف التقدير التي تحظى به عن مدى حضور المرأة الديني في المجتمع المحلي الجزائري ونزعتها الصوفية، وذلك من خلال المحيط الذي نشأت فيه وتعلمها القرآن الكريم. وتذكر الروايات أن والد تركية الشيخ علي لم يصدق قوتها وصلابتها الروحية، ما دفعها إلى الهرب من بيتها حين كانت في الـ 15 من عمرها. وظلّت هائمة في الصحراء تتعبد وتتنقل من مكان إلى آخر، إلى أن استقرت بولاية تيارت غرب الجزائر حيث توفيت. ويقام في شهر يونيو/ حزيران من كل عام مؤتمر بعنوان "ملتقى المرابطة تركية"، يحضره أئمة وطلاب ومتخصصون في الصوفية والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، يبحث موضوع المرأة والظواهر الدينية والطقوس والمعتقدات والعبادات والأساطير.
وفي أقصى الحدود الجزائرية مع المغرب، تقع مدينة مغنية غرب الجزائر نسبة إلى الولية الصالحة "لالة مغنية" التي لا تزال زاويتها التي تأسست في بداية القرن الـ 17 ميلادي تخلد أثرها في منطقة مغنية. تعرف بكونها امرأة صالحة وورعة، وكانت تحج دوماً مع آخرين سيراً على الأقدام. وفي إحدى المرات، لما عادت من الحج، توقفت قافلتها في المنطقة التي أعجبت بها فمكثت فيها إلى أن توفيت. وتذكر المراجع أنها نشأت في بيئة علم وتصوّف وحفظت القرآن الكريم، وتعلّمت من والدها الكرم والشجاعة، وكانت مرشّحة لخلافته على رأس الزاوية الدينية، لما لها من مكانة روحية لدى الصوفية كامرأة متعبدة خلدتها الذاكرة الشعبية. ولا يزال ضريحها مزاراً حتى الآن. وورد عنها في كتاب "معجم أعلام تلمسان" أنها كانت "صاحبة خير وصلاح وولية ورعة ذات أخلاق حميدة ونفس طيبة، كانت لها قدرة فائقة على تحصيل العلوم، وقد تمازج فيها جمالها وعلمها وطيبتها؛ فكانت لها كرامات الأولياء وفكر العلماء وأخلاق الصلحاء".
إلى ذلك، يقول الباحث في التراث الجزائري عبد الحميد مجاهد لـ "العربي الجديد"، إن "احتفاء الناس بالوليات الصالحات هو تبجيل للتعبد وقوة الإيمان بالله والاعتقاد أن هذا الإيمان والقرب من الله منحهن الكرامة". يضيف أن ما يكرس الأمر أن "الطقوس التي يمارسها الأهالي في مختلف المدن المجاورة، وتُقام في الأضرحة ما يسمى بالوعدة أو الحضرة السنوية، وتمزج الحقيقة بالأسطورة، والاحترام بالشعوذة. ويطلب الزوار من مختلف الأماكن بركتها، ويجلبون معهم الشموع والعطور والحناء والكحل والبيض عند دخولهم المكان المخصص للزوار. يجب المرور بالضريح قبل الدخول إلى الزاوية، وإيقاد الشموع ووضع الحناء على الجدران. ولدى خروجهم، توضع بعض النقود عند الباب أو إلى جانب القبر".
ووسط الجزائر، تعرف "لالة زينب" القاسمية في منطقة مسيلة، وهي متصوفة تولت إدارة زاوية دينية بعد وفاة والدها خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وسخرت حياتها للفقراء والمحتاجين، وتعرف لدى العامة بالصلاح. وكانت لها مكانة اجتماعية في زمن لم يكن فيه للمرأة دور اجتماعي أو ديني كبير. حرصت على تعليم النساء في المنطقة، هن اللواتي آمنّ بها، ولا يزال ضريحها حتى اليوم قبلة للعشرات. وهناك "لالة صفية"، وهي من بين اللواتي حزنّ على قلوب أهالي منطقة النعامة جنوب غرب الجزائر. وتذكر المراجع التاريخية أنها امرأة متدينة ومتعلمة انشغلت بالتربية. ويقول الباحث في علم الاجتماع كريم سعداوي لـ "العربي الجديد"، إن "لالة صفية فرضت المكانة الرمزية والروحية التي تستمد حضورها من الدين وبعض الممارسات التي منحتها مكانتها الاجتماعية والدينية والثقافية في القبيلة أو المجتمع. ولا تزال هذه الطقوس مستمرة، ويزور الناس ضريحها للتبرك". يشار إلى أنها ذكرت في القصائد الشعبية التي لا يزال يرددها البعض.
الوليات الصالحات كثيرات في البلاد. ولكل منهن قصتها وأسطورتها، وقد شوهت بعض هذه القصص أو الأساطير بسبب الطقوس التي ترافق زيارات أضرحتهن. وتوضح الباحثة في دراسات الأنثروبولوجيا بجامعة الجزائر كريمة آيت مسعودان، أن "لالة التي ارتبطت بالوليات الصالحات توحي بالمكانة العظيمة للمرأة التي تسمى بها، وتحمل معها معاني الشرف والتّكريم والتبجيل بين النساء، كونها امرأة مؤثّرة وصالحة".