وصمة "مطلقة" تخيف تونسيات

08 سبتمبر 2022
تواجه تونسيات مطلقات نعوتاً سلبية (سيمونا غراناتي/ Getty)
+ الخط -

"أعيش في بيتي الزوجي منذ ست سنوات. تبدو أسرتي عادية وسعيدة في نظر المجتمع، لكن أحداً لا يعلم أنني أعيش وراء جدران المنزل وأبوابه المغلقة قصة غريبة، فأنا وزوجي منفصلان بلا طلاق قضائي. اتفقنا على العيش هكذا بلا علم الناس، لأن عائلتينا ترفضان طلاقنا، وخصوصاً عائلتي التي تخشى أن يلحق عار كبير بي، في مجتمع لا يرحم المطلقات". 
هذا ما تقوله لمياء (38 عاماً)، مضيفة: "أنفذ في شكل طبيعي دور الأم، رغم أنني أعمل خارج المنزل، ويتولى زوجي الدور الطبيعي للأب. نتقاسم الاعتناء بالأبناء، لكنّ أياً منا لا يتدخل في شؤون الآخر. بدت هذه الفكرة غريبة أو صعبة التطبيق في البداية، لكننا نجحنا في تنفيذها، وخصوصاً أنّ أيّاً منا لا يفكر في الزواج مجدداً. كل ما في الأمر أننا نتفادى مشاكلنا وخلافاتنا، ونتجاوز سخط عائلتينا اللتين ترفضان طلاقنا، ومواجهة النظرة التقليدية للمجتمع. ونحن على هذا الحال منذ ثلاث سنوات".
تضيف: "قد يحصل الطلاق يوماً، لكنني في كل الأحوال اضطررت إلى قبول هذا الخيار بسبب رفض عائلتي فكرة طلاقي خوفاً من وصمة المجتمع، واحتمال تعرّضي لمضايقات وتنمر". 
تشريعياً، يضمن الفصل الـ30 من مجلة الأحوال الشخصية حق الطلاق بقرار من المحكمة. ويحدد القانون أنواع الطلاق بأنها تلك التي تحصل بالتراضي بين الزوجين، وبالاستناد إلى اتفاق يثبته القاضي ويتعلق بترتيبات الفراق وآثار الطلاق. 
وبين الأنواع أيضاً الطلاق بسبب ضرر تعرض له أحد الزوجين من الطرف الثاني، وتقدّره المحكمة بحسب اجتهادات القضاة الذين ينظرون في ملابسات كل قضية.
وفي كل الأحوال، يطالب الفصل الـ 32 من مجلة الأحوال الشخصية القاضي بعدم إصدار حكم الطلاق مهما كان السبب القانوني، إلا بعد تنفيذ محاولات لمصالحة الزوجين. 
وقد دعت منظمات ونشطاء ومحامون خلال السنوات الماضية إلى سنّ مشروع قانون يسمح للتونسيين بالطلاق بلا تدخل المحكمة، أي بالتراضي بين الطرفين، وألا يقتصر الأمر على مجرّد كتابة ورقة طلاق وتوقيعها وإيداعها لدى كاتب عدل لتقليص تعقيدات إجراءات الطلاق. 
لكن ناشطين وحقوقيين آخرين رفضوا هذه الفكرة بحجة أنها قد ترفع عدد حالات الطلاق، في وقت تشهد البلاد ارتفاعاً مستمراً في حالات الانفصال، علماً أن وزارة العدل تُحصي 46 حالة طلاق يومياً، وبين 12 و14 ألفاً سنوياً". 
ورغم هذه الأرقام، وتعدد قصص الطلاق وأسبابها، يرى البعض أن قرار الطلاق في مجتمع ما زال ينظر إلى المطلقة نظرة دونية، يظهر ميزة الشجاعة لدى المرأة التي تتحدى النظرة الاجتماعية والوصمة الاجتماعية مقابل العيش بسلام بعيداً عن حياة زوجية فاشلة أو مليئة بالمشاكل. لكن ذلك لا يمنع اتفاق نساء مع أزواجهن على الانفصال بلا حصول طلاق بسبب رفض العائلة، أو خوفاً من نظرة المجتمع وقسوته. 
تخبر شافية (36 عاماً) التي انفصلت عن زوجها من دون أن يحصل طلاق، "العربي الجديد" أنّها عاشت مع زوجها في بيت واحد لتربية ابنها وسط جو عائلي، لكنّها في الحقيقة منفصلة عن زوجها منذ سنة. وتقول: "اخترت الحصول على طلاق في البداية، وناقشت قراري مع عائلتي بسبب مشاكلي مع زوجي، لكنها رفضته لكونه يلحق العار بالمرأة، وخصوصاً في المحافظات والمناطق الريفية. 

تضيف: "لم أكمل تعليمي الجامعي بسبب الحاجة، ولا أعمل أيضاً. تزوجت بطريقة تقليدية تعتبر أنّ الفتاة يجب أن تتزوج وتنشئ أسرة. وبعد سنة من زواجي تعرّضت للإهانة والضرب، وتقدمت مرات بشكاوى ضدّ زوجي، قبل أن تجبرني عائلتي على إسقاطها بحجة أنّه والد ابني، ولا يجب أن يُعاقب أو يسجن. وفي ظل هذه الحال يجب أن أتحمّل وحدي الإهانة لأنني لا أعمل وأخضع للمفهوم السائد في قريتي الصغيرة، الذي لا يرى مشكلة في ضرب المرأة أو شتمها". 
تتابع: "حالياً، يجب أن أتحمّل حياتي الزوجية بكلّ مشاكلها كي أكمل تربية ابني في جو عائلي، وأتفادى نظرة الناس لي كامرأة مطلقة في منطقتي الصغيرة التي ما زال سكانها يعيشون في نمط اجتماعي تقليدي جداً يلحظ معاتبة المرأة المطلقة ونعتها بكل النعوت السلبية، ويجعلها فريسة سهلة تحاسب على أي عمل تقوم به". 

تخضع نساء تحت الضغوط للزيجات الفاشلة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
تخضع نساء تحت الضغوط للزيجات الفاشلة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

من جهتها، تعلّق رئيسة اتحاد المرأة التونسية راضية الجربي بالقول لـ"العربي الجديد": "تزايد حالات الطلاق في تونس ظاهرة مفزعة ومقلقة، خصوصاً أنّ الأسباب المادية والمعيشية بين أهم أسباب الطلاق، لكنه يدل أيضاً على أنّ المرأة أصبحت تتحلى بوعي كبير يجعلها لا تقبل الإهانة أو التعرض للعنف. والحقيقة أنّ نساءً كثيرات أصبحن مستقلات مادياً، وقادرات على تأمين حياتهنّ. وهناك أيضاً دعم من الأسر التي باتت ترفض تعنيف المرأة، أو مواصلتها عيش حياة زوجية فاشلة من دون أن تطلب الطلاق خوفاً من الوصمة الاجتماعية. لكن الأكيد أيضاً أنّ نساء كثيرات يخضعن لضغوط العائلة والمجتمع، ولا يطلبن الطلاق لتفادي أي إشكال عائلي، أو رفض المجتمع".

وتتقدم تونس على دول أخرى في تطبيق قوانين خاصة بحقوق المرأة، لكن الأعراف الاجتماعية التقليدية ما زالت تسود العديد من المناطق، وخصوصاً الريفية والقروية. وتسجل إحصاءات رسمية لحالات الطلاق التي تتضمنها دفاتر المحاكم، لكن حالات الانفصال دون طلاق خوفاً من وصمة مطلقة أو رضوخاً لرغبة العائلات، قد تكون كثيرة أيضاً من دون أن يشارك أصحابها تجاربهم وقصصهم مع الآخرين، لأنّها تبقى من المواضيع الغريبة أو التي قد يرفضها المجتمع أكثر من الطلاق نفسه.  

المساهمون