والد الشهيدة الفلسطينية جنى يحكي تفاصيل اغتيالها برصاص الاحتلال: جريمة قتل متعمّدة

15 ديسمبر 2022
من تشييع الشهيدة جنى زكارنة في جنين (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

 

كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليل الإثنين 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عندما صعد أدهم زكارنة (13 عاماً) إلى سطح منزلهم في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، فذُهل بما رآه وراح يصرخ. تبعه والده مجدي وقد شعر بالفزع عند سماع صراخه، ليُصاب هو الآخر بصدمة كبيرة؛ ابنته الوحيدة جنى التي تكبر أدهم بعامَين كانت هناك مضرجة بدمائها وجثّة هامدة بعدما أصيبت برصاصات إسرائيلية عدّة في صدرها ووجهها. فقد أطلق قنّاص من قوات الاحتلال النار باتجاهها، عندما حاولت جنى حماية قطتها لولو من الرصاص، فاستشهدت هي.

بصعوبة تماسك الوالد وطلب سيارة الإسعاف التي حضرت فوراً، ثمّ نُقلت جنى إلى المستشفى حيث أُعلن عن استشهادها من جرّاء إصابتها البليغة. وبحزن شديد يتحدّث الوالد لـ"العربي الجديد"، واصفاً ما جرى بأنّه "جريمة قتل متعمّدة" ارتكبها قنّاص إسرائيلي وقد استهدف عن قصد ابنته جنى التي حاولت أن تحمي قطتها لولو من الموت، بعدما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تلك الليلة الحيّ السكني حيث منزل العائلة وراحت تطلق النار بكثافة وعشوائية.

يضيف الوالد مجدي: "لا شكّ في أنّ القناص الذي كان يتمركز على مبنى الجيران القريب من مبنانا، انتبه إلى أنّها طفلة ولا تحمل بيدها أيّ شيء، بل تسعى إلى حماية قطتها الصغيرة التي كانت في قفص على سطح المنزل. هو يملك أدوات تساعده، من دون أدنى شك، في الحصول على رؤية ليلية واضحة، لكنّه أصر على جريمته وأطلق باتجاهها أربع رصاصات استقرّت كلّها في جسدها الغضّ".

ويعود الوالد إلى المشهد الذي سبق استشهاد جنى، فيخبر أنّها كانت قد أنهت لتوّها رفع أطباق العشاء وتنظيف المطبخ بعدما اعتنت بوالدتها المريضة، فسمعت أصوات انفجارات ناتجة عن قنابل كانت تلقيها قوات الاحتلال فيما كان الرصاص ينهمر من كلّ حدب وصوب، وصعدت إلى سطح منزل العائلة لتجلب قطتها خشية عليها من الإصابة.

ويؤكد الوالد مجدي أنّ "هذه القطة كانت صديقة جنى التي لا تفارقها، وغالباً ما تنام في سريرها. وفي خلال ساعات النهار، تضعها على السطح لتأكل وتلهو. لكنّ خوف جنى عليها دفعها إلى الإسراع وإنزالها من السطح، من دون أن تعلم أنّ قناصاً سوف يكون لها بالمرصاد ولن يرحم براءتها وسوف يقتلها عن سبق إصرار وترصّد".

من جهته، يقول ياسر زكارنة، وهو خال جنى، لـ"العربي الجديد"، بعدما عجز الوالد مجدي عن إكمال حديثه، إنّه "على الرغم من فداحة ما حدث، فإنّ قرارنا كان حاسماً بإرسال الشهيدة إلى معهد الطب العدلي في جامعة النجاح بمدينة نابلس (شمالي الضفة الغربية)، لقناعتنا بأنّ الاحتلال هو القاتل. وبالفعل، أظهر تقرير التشريح الطبي أنّ إصاباتها أتت برصاصات خارقة للدروع، ومن غير الممكن أن يصل رصاص المقاومين إلى حيث كانت جنى. القنّاص هو الذي قتلها، وهذا ما أكدته آثار الرصاصات على جدار قريب".

ويوضح زكارنة أنّ "ما جعلنا نصرّ على التشريح هو كذب الاحتلال ومحاولته التنصّل من جريمته بالادعاء أنّها قُتلت برصاص مسلحين فلسطينيين"، مشدّداً على أنّ هذه "رواية إسرائيلية ممجوجة، سمعناها كثيراً، خصوصاً عندما قتلوا (الإسرائيليون) الصحافية شيرين أبو عاقلة، على الرغم من كلّ الأدلة التي تؤكد أنّ الاحتلال هو الذي أطلق الرصاص باتجاهها وباتجاه الصحافيين الذين كانوا معها".

ويشير زكارنة إلى أنّ "النيابة العامة الفلسطنية أجرت فحصاً في الميدان، واستطاعت بعدما عثرت على رأس إحدى الرصاصات التي اخترقت الحائط أن تتوصّل إلى نتيجة مفادها أنّ لا رصاص قد يصل إلى مكان استشهاد جنى إلا من المنزل الذي اقتحمته قوات الاحتلال في المبنى المقابل. وقد توجّه الأمن الفلسطيني إليه ليجد فيه فوارغ الرصاص".

ويخبر زكارنة أنّ ابنة أخته كانت سوف تحتفل بعيد ميلادها السادس عشر في 27 ديسمبر الجاري، واصفاً إياها بـ"الملاك الرحيم". ويشرح أنّ جنى "تركت المدرسة قبل عام لتعتني بوالدتها المريضة وتحرص على إعطائها الدواء في الوقت المناسب، وكذلك للاهتمام بوالدها الذي يكدّ ساعات طويلة وبشقيقها الوحيد. ولأنّ قطتها لولو هي التي كانت تؤنس وحدتها، فقد تعلّقت بها جداً". ويتابع زكارنة أنّ "أدهم أحضر لولو قبل عام، من صديق له، فرعتها جنى حتى كبرت، وكانت تنام في حضنها. وقد خصّصت جنى صندوقاً لها على سطح المنزل، وكانت تصعد إليه كلّ مساء لتطعمها".

وفي وقت لاحق، أصدرت قوات الاحتلال بياناً أقرّت فيه ضمنياً بأنّ أحد عناصرها هو الذي قتل جنى عن طريق الخطأ. وجاء فيه: "بعد تحقيق أولي، وُجد أنّ ثمّة احتمالاً كبيراً بالفعل بأن تكون الفتاة المقتولة قد أُصيبت برصاصة عن طريق الخطأ أُطلقت على مسلحين من سطح في المنطقة التي أُطلق منها النار على قواتنا"، لافتاً إلى "مواصلة التحقيق لتوضيح ملابسات الحادثة".

من جهته، أفاد المكتب الأميركي للشؤون الفلسطينية في القدس بأنّ طاقماً من موظفيه زار عائلة جنى زكارنة في جنين للتعبير عن أحرّ تعازي الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك دعمها إجراء تحقيق ومساءلة. وفي بيان صادر عن المكتب، كان تأكيد أنّ الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تشعر بالقلق من الزيادة في الوفيات والإصابات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك بين الأطفال.

تجدر الإشارة إلى أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلية قتلت منذ بداية العام الجاري 224 فلسطينياً، 166 منهم في الضفة الغربية والقدس، و53 في قطاع غزة، وخمسة في الداخل الفلسطيني. ومن بين مجموع الشهداء 15 طفلاً، آخرهم جنى زكارنة التي شُيّع جثمانها وسط مطالبات بمحاسبة قتلتها، وقد قوبلت الجريمة بتنديد واستياء عارمَين محلياً وعربياً ودولياً.

المساهمون