- تعرضا لتحديات قانونية من مؤسسات دولية مثل "زارا" و"KFC" بتهم تعطيل العمل والتهديد بالعنف، لكنهما واصلا نضالهما ضد التطبيع واستهدفا الشركات الداعمة لإسرائيل في تونس.
- يربيان أطفالهما، يسار وصمود، على قيم النضال والمقاومة، معتبرين تربية الأجيال القادمة جزءًا من نضالهما، وينتقدان توقف البرلمان التونسي عن مناقشة قانون تجريم التطبيع.
لا تخلو ساحات الحراك الاجتماعي في تونس من وجود الناشطين وائل نوّار وجواهر شنّة. فقد عُرفا بحضورهما الميداني المكثف في كل المحطات السياسية والاجتماعية الكبرى التي مرت بها تونس، وشاركا في كل الحركات التي تطالب بتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية للتونسيين.
لكن نجم الناشطين سطع أكثر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ انطلاق عمليات طوفان الأقصى، بعدما قرر الزوجان الانخراط الواسع في الحملات الميدانية للمقاطعة والتصدي لمختلف أشكال التطبيع الثقافي والاقتصادي مع القوى الداعمة للاحتلال.
التقى وائل نوّار (38 سنة) جواهر شنّة (36 سنة) عام 2005، وقد جمعهما النضال في ساحات الجامعة في إطار الاتحاد العام لطلبة تونس، وهي منظمة نقابية طلابية تدافع عن الحقوق المادية والمعنوية للطلبة، وتدعم حركات التحرر الوطني وحركات التحرر في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وكان التقارب الفكري والسياسي بين وائل وجواهر أحد أبرز الأسباب التي جمعتهما لاحقاً تحت سقف واحد عندما قررا الارتباط عام 2015، ومواصلة مسيرتهما في الدفاع عن الحريات الفردية والعامة وحركات التحرر في العالم، وصولاً إلى معركة المقاطعة لكل ما يخدم مصالح العدو الصهيوني في تونس. ويقول وائل في حديث لـ"العربي الجديد": "كانت جواهر رفيقتي في كل المحطات النضالية معي قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 وبعدها، لكني وجدتها تشد أزري بقوة منذ انطلاق حملات المقاطعة". يضيف: "ننشط أنا وجواهر في إطار حركة قاوم وتنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين منذ فترة، لكن طوفان الأقصى أخذنا إلى أشكال جديدة في مقاومة العدو المحتل، وذلك عبر العمل على ضرب كل مصالحه الثقافية والسياسية والاقتصادية الممكنة في تونس".
في هذا الإطار، تقول جواهر: "أصبحنا أكثر جرأةً في تحركاتنا الميدانية وهاجمنا مقرات للعلامات التجارية العالمية الداعمة للكيان الصهيوني، ومنها كارفور وزارا وكي أف سي (KFC)، كذلك قاطعنا اجتماعات في المركز الثقافي الفرنسي، وقمنا باحتجاجات أمام مقرّ السفارة الأميركية، وساندنا دولة جنوب أفريقيا". تضيف: "دخلنا في معارك مفتوحة مع المؤسسات الملاحقة بتهمة دعم الكيان الإسرائيلي، وصلت إلى قاعات المحاكم بعد رفع هذه المؤسسات قضايا ضدنا، لكننا لن نتراجع عمّا نقوم به انطلاقاً من إيماننا العميق بنصرة القضية الفلسطينية التي نشأنا ونحن ندعمها".
وفي يناير الماضي، مثل وائل نوّار أمام القضاء التونسي بعدما رفعت ضده مؤسسة محلات "زارا" للملابس دعوى بتهمة تعطيل العمل والتهديد بالعنف، وكذلك تلاحق قضايا مماثلة زوجته جواهر التي قاضتها مطاعم "KFC". ويرى وائل أن التحركات الميدانية ضد مختلف أشكال التطبيع ساعدت على فضح من وصفهم بـ"الأعداء الاقتصاديين وكشف زيفهم وازدواجية مواقفهم وشعاراتهم"، مضيفاً: "نستهدف مباشرة لوبيات الصهيونية في تونس، وقد احتاج ذلك لجرعات إضافية من الجرأة، على عكس باقي الحركات الاجتماعية التي شاركنا فيها أو قدناها".
ويقول: "لن نرضى أن يدفع التونسيون من جيوبهم أموالاً تذهب لشراء أسلحة تحوّل الفلسطينيين إلى أشلاء، فنحن شعب طالما دعمنا القضية الفلسطينية واحتضنّاها، ولا بد أن تُكبَّد الشركات الداعمة للمحتل خسائر ونحاربها اقتصادياً". وبدأت تونس المقاطعة الرسمية المنظمة لإسرائيل من طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948، فيما اختلف تنفيذ هذه المقاطعة من دولة لأخرى. وفي أغسطس/ آب 2022، شددت وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية على التزامها أحكام المقاطعة العربية لإسرائيل وفق مبادئ جامعة الدول العربية، وذلك رداً على ما تتداوله تقارير ومواقع إخبارية عن إجرائها مبادلات تجارية مع إسرائيل.
ولا تخشى جواهر أن تؤثر الملاحقات القضائية في حياتها الأسرية ودورها كأم، قائلة: "بالعكس، نحن مستعدان لكل الطوارئ ورتبنا حياتنا على هذا الأساس، ويستطيع وائل العناية بالأطفال إذا تم توقيفي". تضيف: "نعيش الشراكة في كل شيء، ونتقاسم الأعباء المنزلية، ولدينا قناعة راسخة بأن الخلاص لا يمكن أن يكون إلا في إطار الحل الجماعي، سواء لمشاكل تونس المحلية أو للمشاكل الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية". تضيف: "لا أتذكر متى وعيت على القضية الفلسطينية ولكنني أعرف أنني تشرّبت حبها منذ طفولتي، وهي جزء من ذاكرتي الممتدة، وأنا نتاج أسرة تتوارث دعمها لهذه القضية العادلة". كذلك، يؤكد وائل أن لوالدته الناشطة النسوية والحقوقية حميدة الدريدي، دوراً كبيراً في دفعه نحو العمل النقابي في سنّ مبكرة.
ويعتبر الزوجان أن تمرير الرسالة إلى الأجيال المقبلة أمر ضروري، وهما غالباً ما يشاركان طفليهما، يسار وصمود، تفاصيل نشاطهما الميداني. ويوضح وائل: "اخترنا لطفلينا أسماء لها دلالات على انتمائنا السياسي والفكري. فيسار دليل على انتمائنا إلى العائلة اليسارية، وصمود عنوان لصمود القضية الفلسطينية، فضلاً عن أنهما أيضاً اسمَي ابنَي المناضل الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي مضى على اعتقاله 18 عاماً".
ولوائل وجواهر مآخذ كبيرة على البرلمان التونسي الذي أوقف مسار مناقشة قانون تجريم التطبيع، معتبرين أن "عدم صدور القانون حرم النشطاء آليات عديدة كان بالإمكان استعمالها في مكافحة التطبيع الاقتصادي والثقافي".