بعد بقاء رئيسة جامعة هارفارد الأميركية كلودين غاي في منصبها، يأمل طلابها وأساتذتها أن يضع ذلك حدّاً للجدال السياسي القائم حول اتهامات معاداة السامية في داخل الجامعة التي تهزّها تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وكان الحرم الجامعي التاريخي في قلب مدينة كامبريدج الأميركية الساحرة، التي تطغى على المشهد فيها المباني المشيّدة على الطراز المعماري البريطاني، هادئاً أمس الثلاثاء بعيداً جداً عن توتّر التظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على خلفية الحرب على غزة.
وقد بقي من هذه الاحتجاجات، ملصقات يدعو عدد منها إلى "وقف إطلاق النار" في قطاع غزة، فيما تشدّد أخرى على أنّ "انتقاد إسرائيل" أو "إدانة إبادة جماعية" أمران "يختلفان عن معاداة السامية".
في سياق متصل، أعلن خمسة رؤساء سابقين لجامعة هارفارد دعمهم للرئيسة الحالية كلودين غاي، في بيان مشترك نُشر على الحساب الرسمي للجامعة على منصّة "إكس". وأكد هؤلاء: "بصفتنا رؤساء سابقين لجامعة هارفارد، نقدّم دعمنا القوي لكلودين غاي، وهي تقود جامعة هارفارد نحو المستقبل".
وأشاروا إلى أنّ جامعة هارفارد تمرّ حالياً بوقت عصيب، مبيّنين استعدادهم لتقديم الدعم بكلّ أنواعه للرئيسة غاي.
يُذكر أنّ غاي تعرّضت لانتقادات، على خلفية شهادتها في الكونغرس الأميركي بشأن معاداة السامية في الحرم الجامعي، وسُجّلت مطالبات باستقالتها، لكنّ هيئة الجامعة الإدارية أصدرت بياناً داعماً لها، أمس الثلاثاء، فبقيت في منصبها. وكانت لجنة التعليم والقوى العاملة في الكونغرس الأميركي قد استدعت، في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كلا من رئيسة جامعة بنسلفانيا إليزابيث ماغيل ورئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سالي كورنبلوث إلى جلسة "محاسبة رؤساء الجامعات ومكافحة معاداة السامية".
"As former Presidents of Harvard University, we offer our strong support for Claudine Gay as she leads Harvard into the future. We look forward to supporting President Gay in whatever ways we can as Harvard faces this challenging moment for higher education and the wider world."…
— Harvard University (@Harvard) December 12, 2023
اتهامات معاداة السامية تغذّي تسييساً مفرطاً
في المدينة الصغيرة الواقعة في منطقة بوسطن الكبرى، إحدى المدن التاريخية الأولى في القرن السابع عشر، بشمال شرق الولايات المتحدة الأميركية، يقول عدد قليل من الطلاب والأساتذة الذين وافقوا على التحدّث إلى وكالة فرانس برس، إنّهم يستنكرون "التسييس" المفرط الذي غذّته اتهامات بمعاداة السامية في داخل جامعتهم.
وكاد هذا الجدال أن يكلّف رئيسة الجامعة كلودين غاي منصبها. وقد صارت غاي، أستاذة العلوم السياسية من أصول هايتية والبالغة من العمر 53 عاماً، في خلال الصيف المنصرم الأميركية السوداء الأولى التي تقود هذا الصرح الكبير لدراسة القانون والاقتصاد منذ تأسيسه قبل 368 عاماً.
تقول الطالبة ماريسا غان (19 عاماً) من ولاية ميسيسيبي: "من يجب أن يستقيل ومن يجب أن يبقى؟ لست مخوّلة إبداء رأيي، لكن أعتقد أنّ بصفتنا مؤسسة عريقة، يُطلَب منّا مستوى أعلى من الشروط وسقف أعلى" من مجرّد مواقف جدلية مؤيّدة للفلسطينيين أو إسرائيل.
وتحاول غان، في تصريحها لوكالة فرانس برس، الدفاع عن "سمعة" التميّز التي تتمتّع بها جامعة هارفارد، آملة أن تهدأ الأزمة مع بقاء غاي في منصبها.
في الواقع، جدّدت "هارفارد كوربوريشن"، الهيئة الإدارية للجامعة، أمس الثلاثاء، "دعمها" و"ثقتها" بغاي بعدما أدلت بتصريحات وُصفت بأنّها غير قاطعة بشأن المسائل المرتبطة بمعاداة السامية وحرية التعبير المقدّسة في الولايات المتحدة الأميركية، في خلال جلسة استماع أمام مجلس النواب في الكونغرس في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ادعاءات بتفشّي معاداة السامية في الجامعات الأميركية
من جهته، يشعر أستاذ العلوم السياسية راين إينوس، وواحد من بين نحو 700 مؤيّد لغاي، بالغضب إزاء "الضغوط السياسية الصادرة من برلمانيين في الكونغرس وإسرائيل".
ويقول لوكالة فرانس برس: "لا ينبغي لأحد أن يسيّس هذه القضايا الخطرة جداً (...) المتعلّقة بالحرب في الشرق الأوسط حيث يموت آلاف الأشخاص".
يُذكر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الحليف العسكري والدبلوماسي للولايات المتحدة الأميركي التي تضمّ ستة ملايين يهودي، كان قد دان يوم الأحد الماضي ما زعم أنه "تفشّي معاداة السامية في الجامعات الأميركية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة يهودية متطرّفة تطلق على نفسها اسم "جويش ناشونال بروجيكت" (المشروع القومي اليهودي)، واصلت أمس الثلاثاء، تسيير شاحنتها الإعلانية المجهّزة بلافتات إلكترونية مضيئة تتّهم غاي بـ"معاداة السامية" وتصفها بأنّها "وصمة عار وطنية"، وذلك في شوارع كامبريدج.
في سياق متصل، يشدّد تاد إلمر وهو متقاعد من كامبريدج على "عدم وجوب تسييس الجامعات". يضف الرجل السبعيني لوكالة فرانس برس: "لا أفهم لماذا تشعر (الجامعات) بالحاجة إلى إبداء آرائها حول شؤون العالم"، لافتاً إلى أنّ "واجبها هو تعليم الطلاب".
(فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)