شهادة البكالوريا أو الثانوية العامة محطّة أساسية في مشوار طالبي العلم. ويُحتفى بالنجاح في نيلها بطرق تختلف وفقاً لعادات وتقاليد المجتمعات. وللجرائريين طقوسهم الخاصة التي تتمايز بدورها بحسب المناطق والانتماءات.
يُعَدّ النجاح في البكالوريا (الثانوية العامة) فرحة كبرى في الجزائر تدخل في كلّ عام بيوت آلاف من العائلات الجزائرية بعد نيل أبنائها هذه الشهادة التي هي مصدر فخر لهؤلاء وللآباء كذلك. ولهذا النجاح طقوس، وهو يستدعي تهنئة الأقربين كما البعيدين والجيران والأصدقاء وسط أجواء من البهجة.
وأوّل من أمس الأربعاء، تابع الجزائريون حفل تكريم رئيس البلاد عبد المجيد تبون المتفوّقين في امتحانات شهادة البكالوريا، في تقليد رسمي تحرص السلطات عليه. وكثر هم الذين كانوا يتمنّون أن يكون أبناؤهم من بين هؤلاء المتفوّقين المكرّمين، غير أنّ شيئاً لم يمنعهم أن يحتفلوا بهم في أجواء عائلية.
بالنسبة إلى العائلات الجزائرية بمعظمها، النجاح المدرسي والترقّي من مستوى إلى آخر يستحقان الاحتفال، فكيف إذا كان ذلك النجاح في نهاية التعليم المدرسي والترقّي إلى الدراسة الجامعية. بالتالي فإنّ للنجاح في البكالوريا رمزية خاصة.
نورية بولدروع جزائرية تبلغ من العمر 70 عاماً، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "شيئاً لا يعوّضني عن الألم الذي أصابني قبل خمس سنوات على أثر خسارتي زوجي في حادث سير بولاية قالمة (شرقي العاصمة الجزائرية) إلا الاحتفال بنجاح أحفادي في البكالوريا". وتشرح نورية أنّ "وفاته لم تكن سهلة عليّ بعد أكثر من أربعين سنة من العشرة والعيش في الحلو والمرّ. لكن كلّما نجح أحد أحفادي، أفرح وأقول إنّ هذه هدية من السماء وصدقة جارية له"، مشدّدة أنّ "الفرحة لا تعوّض".
واحتفلت نورية بحفيدها عصام (17 عاماً) الذي نال شهادة البكالوريا هذا العام، معلنة أنّ "هذه مناسبة للفرح والاحتفال، وقد دعوت كلّ أفراد الأسرة والجيران للاحتفال معنا. وقد أعددنا عشاء في البيت الكبير بمنطقة حمام الدباغ (في ولاية قالمة)، مع تحضير الطبق التقليدي الشخشوخة". تضيف أنّ "لكّل حفيد ناجح في دراسته هديّة، وهي في الغالب مبلغ من المال".
من جهتها، سعاد بلبحري وهي ربّة منزل احتفلت هذا العام بنجاح ابنتها في البكالوريا، توضح لـ"العربي الجديد" أنّ "الاحتفال يهدف إلى تشجيع أبنائنا على مواصلة درب التعليم وتحقيق النجاح والتفوّق في المرحلة المقبلة وتلك التي تليها". تضيف سعاد أنّ "مثل هذه الاحتفالات غير محصورة بالبكالوريا فقط، بل تبدأ مع الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة بعد النجاح في امتحانات شهادة التعليم الابتدائي، ثمّ النجاح في امتحانات شهادة التعليم المتوسط وبلوغ المرحلة الثانوية".
ولا تكتمل الفرحة بهذا النجاح من دون الحلويات التقليدية القائمة على الدقيق والعسل من قبيل "البغرير" أو "الغرايف" و"السّفنج" و"المشوشة" وغيرها. أمّا أبرز الحلويات التي تزيّن صينية الضيافة فهي البقلاوة و"المقروط" المشوي في الفرن و"المقروط" المقلي.
وفي هذا الإطار، ثمّة عادة جزائرية يُطلَق عليها "حفل القهوة"، وهي تقوم على الاحتفال من خلال تقديم مختلف صنوف الحلويات مع القهوة والشاي. لكنّ حنان القاسمي من المسيلة شرقي العاصمة الجزائر، تشير بحديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ثمّة عائلات مقتدرة تفضّل الاحتفال من خلال ما يُطلَق عليه عشاء النجاح"، مضيفة أنّ ذلك "يرتبط بالنجاح بشهادة البكالوريا كما بالشهادات الجامعية. وتتفنّن العائلات في طهي الأطباق الشعبية التقليدية، خصوصاً الكسكسي".
في سياق متصل، تقول المتخصصة في علوم الاتصال والمجتمع في جامعة خنشلة (شرق) مونية سوامي لـ"العربي الجديد" إنّ "الاحتفالات بالنجاح تُعَدّ محدّداً مهمّاً يؤشّر إلى اهتمام العائلة الجزائرية بالتعليم وبالنجاح، على الرغم من كلّ المعوّقات والظروف الاجتماعية. وهي كذلك فرصة للمّ شمل العائلة ذات نكهة مميّزة، من شأنها أن تعزّز الروابط ولا يعوّضها أيّ تواصل افتراضي". تضيف أنّها "مناسبة لتشجيع التلاميذ الأصغر في المستوى الدراسي على الاجتهاد".
وفي الأحياء الجزائرية الشعبية طقوس خاصة للاحتفال بالنجاح في شهادة البكالوريا. وتُطلَق المفرقعات كتعبير عن الفرحة العارمة بالناجحين وعن سعادة هؤلاء في الفوز بالرهان المصيري. وعلى الرغم من ارتفاع ثمن المفرقعات نسبياً، فإنّ الأسر الجزائرية لا تتردّد في شرائها في غمرة الفرح، احتفاءً بأبنائها الناجحين.
ولا يخفي وليد حمودي من وسط مدينة ميلة شرقي الجزائر لـ"العربي الجديد" أنّه صرف "نحو 100 يورو (نحو 102 دولار أميركي) لقاء شراء مفرقعات بعد سماعي بخبر نجاحي في البكالوريا. وقد شاركني عدد من زملائي وأصدقائي وجيراني في الاحتفال الذي خلق جوّاً من البهجة في الحيّ".
من جهة أخرى، وبحسب الموروث الاجتماعي، تقتضي العادات في منطقة الأوراس شرقي الجزائر بأن يُزوَّد الناجحون ببنادق صيد لإطلاق النار، وهي تعطى في الغالب فقط لكبير العائلة أو حافظ القرآن. وقد تُرجم ذلك بوضوح من خلال الاحتفال بنجاح إيمان بن عباس لجز المتفوّقة في امتحانات شهادة البكالوريا على الصعيد الوطني. هي من ولاية باتنة (شرق) وقد احتفُل بها شعبياً في الحي الذي تقطنه، فامتطت فرساً عربية أصيلة وارتدت الزيّ الأمازيغي التقليدي وحملت بندقية أطلقت منها الرصاص.
وبدلاً من الفرس، ركب جرائريون متفوّقون بالبكالوريا، في مدن عدّة من البلاد، سيارات فارهة أو عربات أحصنة، وجالوا كلّ في مسقط رأسه، حتى يُحتفى بهم ويُصار إلى تشجيعهم أكثر على المضيّ قدماً في اجتهادهم للتفوّق دائماً، وجعلهم قدوة لسواهم من اليافعين والشباب.