لا يمكنني وصف نفسي بأنني من مشجعي كرة القدم المتحمسين، ولست من متابعي أي فريق، محلي أو دولي، لكنني حالياً أتابع جميع مباريات مونديال قطر 2022، وحريص على تشجيع كل المنتخبات العربية والأفريقية.
أعتقد أن المرة الأخيرة التي تابعت فيها كرة القدم عن كثب، كانت في مونديال إيطاليا 1990، حينها كنت صبياً، وكان المنتخب المصري مشاركاً، وربما كنت متحمساً آنذاك لأن العائلة الكبيرة كانت تجتمع يومياً في منزلنا لمشاهدة المباريات، وقد كان أبي عاشقاً للمستديرة.
يعتقد ابني، مشجع الزمالك المصري وبرشلونة الإسباني ومنتخب الأرجنتين، أن مونديال 2022 غيرني تماماً، ويرى صديقي القطري مشجع فريق السد وريال مدريد أنني حالياً أقوم بتعويض السنوات التي كنت أتجاهل فيها كرة القدم، بينما يطالبني صديقي التونسي المتخصص في التحليل الرياضي بمواصلة الاهتمام والتشجيع بعد المونديال.
وصلت إلى قطر قبل تسع سنوات تقريباً، قادماً من القاهرة. كانت الإمارة الهادئة قد حازت شرف تنظيم المونديال قبل ذلك بثلاث سنوات فقط، وقتها كانت الاستعدادات لتنظيم المونديال محدودة، أو ربما لم تكن ظاهرة بالشكل الكافي.
خلال السنوات التالية تصاعدت وتيرة البناء والتطوير، كل المناطق والأماكن التي عرفتها خلال السنوات الأولى لوجودي في الدوحة شهدت تغييراً ملحوظاً، وبعض المناطق والأماكن تغيرت كلياً، حتى لم تعد بالإمكان حالياً مقارنتها بما كانت عليه قبل عام 2015، كما استُحدثت مدن ومناطق وأحياء كاملة خلال تلك السنوات القليلة، من بينها مدينة لوسيل، والتي يستضيف ملعبها الأيقوني مباراة ختام المونديال.
أعيش منذ خمس سنوات متواصلة في منطقة "مشيرب" الملاصقة لـ"سوق واقف" التراثي، وعلى بعد أمتار قليلة من "حديقة البدع" التي تضم حالياً "مهرجان فيفا للمشجعين"، وقد شهدت المنطقة تطويراً شاملاً خلال السنتين الأخيرتين، بعضها تسبب لنا كسكان في إزعاج وارتباك كبيرين، لكن النتيجة النهائية كانت مبهرة، سواء على مستوى البنية التحتية، أو المستوى الجمالي، إذ أصبحت منطقتنا قلب الدوحة الأخضر من دون أن تفقد مكانتها السابقة كحي يضم الكثير من المعالم التراثية.
قبل أقل من شهر على صافرة انطلاق المونديال، جمعني لقاء مع أصدقاء قطريين، كان المونديال وتفاصيله محور الجلسة الطويلة. قال صديقي إنه بدأ يستعد لحضور مباراة الافتتاح في ملعب "البيت" بمدينة الخور، ومثله والداه وشقيقه وشقيقته، وعدد كبير من أفراد عائلته، من بينهم أطفال لم يتجاوزوا الخامسة، لأنها وفق قوله "عرس الوطن الكبير، كما أنها فرصة العمر، وربما لن تتكرر".
حاولت أن أعبر عن استغرابي لهذا الاستعداد المبكر جداً، كنا قبل شهر تقريباً من تلك المباراة، فعاجلني أن استعداداتهم كثيرة، وتحتاج إلى وقت لإنجازها، فالجميع سيرتدي الملابس الوطنية التقليدية، حتى الأطفال، وهذا يتطلب تجهيز ملابس جديدة تتناسب مع حالة الطقس، ومع طبيعة المناسبة.
تحول الحديث إلى تفاصيل الوصول، ودخول الملعب، والفرق المشاركة، وحظوظها، حينها بدأ صديقي المقرب يكتشف أنني أصبحت أمتلك الكثير من المعلومات الكروية، وأتابع عن كثب كل تفاصيل المونديال، فقال مازحاً: بعدما كنت تجلس صامتاً حين نتحدث عن كرة القدم، أصبحت تدلي برأيك، معتبراً أن هذا انقلاب في طريقة تفكيري.
كنت لسنوات أتعامل مع كرة القدم باعتبارها طريقة لا تناسبني لتضييع الوقت، وكانت لدي طرق أفضل لقضاء وقت فراغي، لكني أعتقد أن تنظيم المونديال في البلد الذي أعيش فيه، وكوني محاطاً لسنوات بكل الترتيبات والتجهيزات واللافتات والمجسمات والأعلام المنتشرة في كل مكان من حولي، كانا سبباً مباشراً في تحول نظرتي إلى اللعبة الأشهر في العالم، ولو بشكل مؤقت.