بعد مرور 47 يوماً على العدوان الإسرائيلي والقصف المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تزامناً مع تجويع الفلسطينيين وحرمانهم من الغذاء والماء والدواء ومقومات الحياة الأساسية، يبدو أنّ سكان القطاع أصبحوا على وشك أن يتنفسوا الصعداء مع بدء سريان اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة الذي توسطت فيه كل من قطر ومصر والولايات المتحدة الأميركية بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، والذي يسمح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.
ويطرح الاتفاق المتوقع تنفيذه خلال ساعات، العديد من الأسئلة حول آليات تنفيذ البنود الواردة فيه، لا سيما الخاصة بآلية إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية، في ظل الحاجة الماسة للسكان إلى تلك المساعدات، وخصوصاً مع اشتداد الظروف المناخية وتوقف معظم المرافق الأساسية من مستشفيات ومخابز وما إلى ذلك، والحاجة الماسة للسكان لهذه الخدمات.
وتقول مصادر مصرية مطلعة على جهود القاهرة الرامية لوقف العدوان على قطاع غزة، إنّ "القيادة السياسية وجهت تعليمات مشدّدة لكافة الأجهزة المعنية بتنفيذ ما يخص مصر في إجراءات الهدنة التي ستدخل حيز التنفيذ في العاشرة من صباح اليوم الخميس".
وتوضح أن التوجيهات "تضمنت تجهيز أسطول من سيارات الإسعاف والأطقم الطبية في كافة التخصّصات عند بوابة معبر رفح، في انتظار الأسرى الذين لدى حركة حماس لإجراء الكشف الطبي عليهم، وتقديم الخدمات العاجلة للمسنين منهم إلى حين نقلهم إلى إسرائيل، وتسليم الأجانب منهم إلى ممثلي دولهم". وتكشف أن "وفداً أمنياً إسرائيلياً سيزور القاهرة على مدار الأيام الأربعة المقبلة لمتابعة تنفيذ الجانب الخاص بتسلم الأسرى"، لافتاً إلى أنه "ربما يكون هناك ممثل عن الحكومة الإسرائيلية في رفح خلال تلك الفترة".
وتكشف المصادر أنه "تم التوجيه بعمل معبر رفح وميناء العريش بالطاقة القصوى له، لاستيعاب شحنات المساعدات القادمة من خارج مصر لتجهيز العدد المتفق عليه من الشاحنات يومياً ضمن اتفاق صفقة تبادل الأسرى، وستمر الشحنات عبر الآلية المتفق عليها سابقاً عبر معبري المرور العوجة وكرم أبو سالم، مع التأكيد على تسريع الإجراءات لضمان مرور عدد الشاحنات المتفق عليها". وتوضح المصادر أن "هناك اتفاقاً مع الجانب الإسرائيلي على تسريع الإجراءات، ويمكن تمرير أعداد الشاحنات المتفق عليها"، مشيراً إلى أن القاهرة "بعثت مناشدات لعدد من الدول العربية والخليجية لزيادة كميات المساعدات من جانبها للوفاء بالكميات المطلوبة للقطاع خلال مدة الهدنة".
وتشير المصادر إلى أنه "تم الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على السماح بمرور الشاحنات المصرية التي تحمل المساعدات حتى وسط غزة تحت حماية ومراقبة أممية في مسارات أمن محددة ومتوافق عليها".
وفي تفاصيل توزيع المساعدات خلال أيام التهدئة، يقول مصدر في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن "مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات ستنطلق فور وصولها إلى معبر رفح باتجاه محافظات قطاع غزة، بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، لتجاوز منطقة الجنوب باتجاه الشمال، حيث يوجد عشرات آلاف المواطنين في تلك المناطق في انتظار وصول المساعدات الإنسانية التي لم تصل إليهم منذ بدء دخولها إلى غزة قبل ثلاثة أسابيع". يضيف المصدر ذاته أن الوكالة "بدأت في تحضير الطحين منذ أيام لتوزيعه على كل سكان المناطق الجنوبية في قطاع غزة، فيما يجري التنسيق لتمديد العمل ليشمل كافة محافظات غزة خلال أيام التهدئة، بالتزامن مع توزيع كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية على سكان مدينتي غزة وشمال غزة".
وعن المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، يقول مسؤول الإعلام في معبر رفح الفلسطيني وائل أبو محسن، لـ "العربي الجديد"، إن "أهم الأصناف التي تأتي إلى غزة منذ فتح المعبر لإدخال المساعدات تتلخص في التالي: الطحين والمياه والعصائر والمعلبات سريعة التحضير كالفول واللحوم والتونة، والمعكرونة والأرز والشعيرية، بالإضافة إلى الأكفان والخيام والوقود المخصص للمؤسسات الأممية". ويشير إلى أنّه "من المتوقع أن تزداد كميات المساعدات التي تصل إلى غزة عبر معبر رفح الخميس بالتزامن مع بدء التهدئة، وفقاً لما أعلنت عنه الجهات المختصة".
من جهته، يقول أستاذ القانون الدولي العام وخبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان الدكتور أيمن سلامة، لـ "العربي الجديد"، إنه "عند النظر إلى شروط الهدنة أو الاتفاق المرتقب، سنجد أن هناك تكثيفاً للمساعدات الإنسانية سواء كانت عبارة عن وقود أو طعام أو دواء للسكان المدنيين في غزة. وعليه، فإن الاتفاق عبارة عن هدنة إنسانية في المقام الأول. لذلك، فإن التركيز يكون على هذه المسائل سواء كانت تبادل الرهائن وأسرى الحرب والمحتجزين، أو إيصال المساعدات الإنسانية".
يضيف سلامة أنه "وفقاً لكل البيانات والتصريحات الرسمية للوكالات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، منها منظمة الصحة العالمية أو الأغذية والزراعة أو الأونروا وغيرها، كلّها أدلت بتصريحات رسمية أفادت أن كل ما يصل إلى غزة هو نقطة في محيط من الوقود والغذاء والمواد الطبية اللازمة لقطاع غزة". ويؤكد أنه "من المفترض تسريع إيصال المساعدات الإنسانية في ظل ظروف الشتاء الذي حل بغزة في الأيام الأخيرة"، لافتاً إلى أنه "من المفترض أن تشرف هيئات مستقلة محايدة على ضمان سرعة توصيل المساعدات الإنسانية".
ويوضح سلامة أنه "من بين هذه الهيئات التي تتمتع بمصداقية واستقلالية وحيادية وعدم ربحية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فضلاً عن المراقبين الأمميين التابعين للأمم المتحدة، لكن إسرائيل عودتنا أنها دوماً تتحفظ على وجود قوات حفظ سلام أو مراقبين دوليين يشرفون على إيصال المساعدات الإنسانية". ويلفت إلى أنه "من المتوقع حدوث انتهاكات في المراحل المبكرة من اتفاق الهدنة الأخير، وخصوصاً من قبل الجانب الإسرائيلي، لأسباب مختلفة منها عدم الترحيب الكامل من الإسرائيليين، وعدم إصدار الأوامر بوقف إطلاق النار بشكل كامل من القادة العسكريين. لكن السبب الأهم هو الاستغلال الرخيص للهدنة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بإعادة حشد وتجميع قواته وأسلحته".
ميدانياً، وفي الجنوب من قطاع غزة، تمكن عشرات النازحين الفلسطينيين في مدينة رفح من الحصول على خدمات طبية لصالحهم أو لصالح أبنائهم المرضى، في ظل تردي الأوضاع المعيشية والصحية في قطاع غزة الذي يعاني الحرب الإسرائيلية للشهر الثاني على التوالي.
ونزح أكثر من 1.7 مليون نسمة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة من جراء القصف الإسرائيلي، واستهداف المستشفيات والمدارس والمنشآت الدولية والمدنية، في حين بقي قرابة 700 ألف نسمة داخل مدينة غزة وشمال القطاع.
وأسفرت الحرب والغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، والمناطق المأهولة بالسكان والنازحين، عن استشهاد أكثر من 14.128 شخصاً، بينهم أكثر من 5840 طفلاً و3920 امرأة، فيما ارتفع عدد المفقودين إلى أكثر من 6800 مفقود، بينهم أكثر من 4500 طفل وامرأة.
وحصل النازحون على خدمات طبية من قبل المستشفى الكويتي التخصصي بمدينة رفح، وتم تنظيم يوم طبي مجاني للموجودين في مدرسة أبو يوسف النجار للنازحين جنوب محافظة رفح من قبل عدد من الطواقم الطبية في المستشفى.
وشارك في هذا اليوم طبيبان اثنان وممرضان وصيدلي بشكلٍ تطوعي، لتقديم الخدمات للنازحين الفلسطينيين من شمال القطاع ومدينة غزة، بهدف تقديم الخدمات الطبية.
إلى ذلك، يقول النازح عبد الكريم الزيتي لـ "العربي الجديد"، إنه "نزح من منزله قبل أكثر من شهر في شمال القطاع بفعل القصف الإسرائيلي لمنطقته، وكان يقيم في معسكر جباليا الواقع شمالي قطاع غزة". يضيف أن زوجته وأبناءه "تعرضوا للمرض، وطالبوا منذ أكثر من أسبوعين بالحصول على رعاية طبية من قبل أي من الأطباء"، مشيراً إلى أن "الأطباء الذين قدموا تمكنوا من تشخيص الحالات الطبية لأبنائه وتقديم العلاج اللازم لهم".
وتمكن الزيتي من الحصول على الأدوية اللازمة له، هو الذي يعاني من التهابات في قدمه، بالإضافة للعلاج اللازم لأبنائه المرضى ثم زوجته، بعد معاناة لأسابيع مع المرض من جراء الظروف غير الصحية التي يعانيها في المدرسة.
أما النازح الفلسطيني عبد الله الجمال، والذي نزح بتاريخ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من منزله إلى إحدى المدارس التابعة للأونروا، بعدما تعرضت منطقته للضرر خلال القصف الإسرائيلي المتواصل، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه تعرض للإصابة في قدمه من جراء القصف الإسرائيلي خلال الحرب الحالية، ويحتاج إلى الرعاية الطبية اللازمة خلال الفترة الحالية، في ضوء استمرار نزوحه في المدرسة بعد قصف منطقة سكنه. ووفقاً للنازح والمصاب الفلسطيني، فإن اليوم الطبي ساهم في توفير العلاج اللازم له والاطمئنان على طبيعة إصابته، في ضوء توقف الكثير من المشافي عن العمل وخروجها عن الخدمة جراء الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لها.