في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وتدني قيمة الأجور في مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وتزايد نسبة البطالة، فقد الكثير من الشباب الأمل في إمكانية تحسّن الأوضاع في البلاد، وباتت الهجرة خيار العديد منهم، من بينهم الفلسطينيون الذين يواجهون ظروفاً أكثر صعوبة في البلاد.
مهنّد (اسم مستعار)، كان يقطن في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين، شمالي لبنان. ولم يكن في استطاعته السفر إلى ألمانيا، البلد الذي لطالما رغب في الوصول إليه بطريقة شرعية، لأنه مطلوب بتهمة إطلاق النار في المخيم، وقد حكم عليه بالسجن لمدة عام. بالتالي، لا يمكنه استصدار جواز سفر، ففكر بالهجرة بطريقة غير شرعية. ويقول: "بعدما سدّت سبل العيش في وجهي، لم يكن أمامي سوى الخروج من لبنان والانتقال إلى بلد آخر أعيش فيه بكرامة. ولم يكن أمامي إلا طريق واحد وهو الهجرة السرية، فبدأت الرحلة من مخيم البداوي".
يقول: "انطلقت ومجموعة من الأشخاص إلى منطقة وادي خالد في قضاء عكار (شمال لبنان)، وهي نقطة حدودية بين سورية ولبنان. اجتزنا النهر وتوجهنا إلى ريف حمص. وعلى الرغم من وجود عناصر للجيش، إلا أننا تجاوزنا الحدود واستطعنا الوصول إلى قرية في ريف حمص. ومن هناك، انتقلنا إلى ريف حماة حيث بقينا مدة يومين، ثم إلى ريف حلب وبعدها إلى مدينة منبج (في شمال شرق محافظة حلب في شمال سورية)، التي يسيطر عليها الأكراد. وفي الصحراء، فوجئنا بكمين للجيش السوري، الذي بدأ بإطلاق النار نحونا، ما أدى إلى مقتل مجموعة من الأشخاص في حين ألقي القبض على البعض منا. لكنني استطعت الفرار والنجاة بأعجوبة. وبعد يومين من دخولي إلى الصحراء، وجدني المهرب، وتوجهنا نحو المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، ثم توجهنا إلى مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، فاعتقلونا لمدة يوم، ثم أخذوا من كل فرد 50 دولاراً وسمحوا لنا بالسير في المدينة".
يضيف: "من إدلب، سعينا للدخول إلى تركيا. حاولنا القفز فوق السياج فأطلق الجيش التركي النار على أشخاص كانوا قربنا فقتل شخص. عدنا إلى إدلب ثم كررنا المحاولة مرة أخرى، لكن ألقي القبض علينا عند السياج. سجنت لمدة يومين، حيث تعرضت للضرب وحرمت من الطعام. وحين عرفوا أنني فلسطيني، توقفوا عن ضربي وأعادوني إلى سورية".
وفي المرة الثالثة، دفع مهند مبلغ ألف دولار إضافي للوصول إلى تركيا من خلال نفق تم حفره بعمق أربعين متراً، "وبعدما مشينا نحو 9 ساعات، جاءت سيارات ونقلتنا إلى أنطاكيا، ثم توجهنا إلى إسطنبول. وكنت قد اتفقت مع المهرّب على أن يوصلني إلى إيطاليا عبر البحر. لكنه لم يلتزم بالاتفاق وأوصلني إلى اليونان. بدأت هذه الرحلة منذ شهرين ونصف الشهر. اليوم، أعيش مع عدد من شبان المخيم في اليونان، بانتظار الدخول إلى ألمانيا للقاء إخوتي الذين سبقوني إليها".
يضيف: "عندما وصلنا إلى شاطئ اليونان، اصطدم اليخت بالجبل، فغرق عدد من الناس. ووصلت وأربعة عشر شخصاً إلى الشاطئ عن طريق السباحة. بقينا في تلك المنطقة لبعض الوقت، وكان البرد شديداً. أمضينا هناك أياماً صعبة، ولم تكن معنا ملابس تقينا من البرد ولا طعام يسد جوعنا، إلى أن أرسل المهرب لنا سيارة نقلتنا إلى العاصمة أثينا. وهذه أفضل منطقة يمكن الوصول إليها".
ويشير مهند إلى أنه خلال وجوده في سورية، كانت تمر عليه أيام من دون أن يتناول أي طعام بسبب عدم توفر المال لديه، ويقول: "فقدنا على الطريق المال الذي كان معنا وهواتفنا بسبب تعرضنا لهجمات من أشخاص سلبوا كل ما كنا نملكه، وحتى الملابس التي كانت بحوزتنا".
وعن اليخت، يقول إنه "يتسع لثلاثين شخصاً، لكننا كنا تسعين على متنه. كان من المفترض أن نكون أربعين شخصاً لكنهم غدرونا. أخبرنا المهرب بأن مدة الرحلة أربعة أيام، لكنه لم يصدق معنا. وبعد يومين، رمانا في اليونان ولم يوصلني إلى ألمانيا كما كنت قد اتفقت معه". ويختم حديثه قائلاً: "كان الطريق صعباً. وخلال رحلتنا، رأينا أهوالاً كثيرة. كما أن معظم المهاجرين استعانوا بجوازات سفر مزورة. وبلغت كلفة الرحلة إلى ألمانيا ستة آلاف دولار، علماً أنه ليس مضموناً وصولنا إليها. فخلال الرحلة، يجب أن نمر بصربيا والنمسا ودول أخرى، ولا أملك المبلغ المطلوب. وحالياً، أسكن مع شباب من مخيم البداوي في اليونان، نتقاسم الطعام وبدل إيجار المنزل بانتظار الفرج، علماً أن من أسكن معهم اليوم وصلوا إلى اليونان قبل سنتين وحتى الآن لم يتمكنوا من دخول ألمانيا".