نكبة سوسة المغيّبة في مأساة ليبيا

14 سبتمبر 2023
أحدثت الفيضانات دماراً كبيراً (الأناضول)
+ الخط -

سوسة متحف التاريخ وجمال الطبيعة، كما عرفها الليبيون، حولتها السيول والفيضانات إلى مدينة منكوبة، والإهمال الرسمي والحكومي إلى مدينة مهملة، فيما يحاول أهلها المقاومة من أجل الاستمرار. وتأتي سوسة الواقعة على بعد قرابة 200 كيلومتر شرق بنغازي، ثانية بعد درنة المحاذية لها غرباً بنحو 90 كيلومترا، لناحية حجم الدمار، من جراء العاصفة دانيال التي ضربت شمال شرق البلاد فجر الأحد الماضي.  
وعلى الرغم من أن المدينة نشأت قبل قرنين من الزمان على مقربة من مدينة أبولونيا الأثرية، إلا أنها تعد صغيرة المساحة ولم يتجاوز عدد سكانها المائة ألف نسمة، كما أن مرافقها الخدماتية محدودة. ويضم مركز المدينة بعض المباني المرتفعة نسبياً والمطلة على شاطئ البحر. أما الأجزاء الأخرى، فهي مترامية الأطراف.   
وترتبط المدينة بمنفذين رئيسيين جرفت السيول أجزاء منهما وخلفت مكانها حفراً عميقة تمكنت بلدية المدينة من إعادة تأهيل أحدهما نسبياً بعد وصول معدات بدعم حكومي، كما يقول المسؤول في المجلس البلدي للمدينة نوري غشام، الذي يوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التنقل في السابق كان عبر طريق ترابي وعر وصلت منه سيارة تحمل أدوية. تم إنزال نصف الكمية، واعتذر المعنيون عن إنزال البقية لأن الإغاثات متوجهة إلى مدينة درنة". يضيف غشام: "من خلال هذا الطريق الوعر، كنا نخرج إلى المناطق المجاورة للاتصال بالجهات الحكومية والمسؤولين لطلب النجدة، ونلتقي وسائل الإعلام للحديث عن الكارثة وإيصال ما تعانيه سوسة"، ويقول: "هناك استجابة نسبية، وقد زار المدينة عدد من المسؤولين الحكومين، ونُقلت حسابات سكان المدينة المصرفية إلى مصرف في منطقة شحات المجاورة ليتمكن السكان من سحب ما يكفيهم من أموال لتأمين احتياجاتهم". 
ويتحدّر سكانها من أصول كريتية نسبة إلى جزيرة كريت اليونانية، ويُطلق عليهم محلياً اسم القريتلية. وعلى الرغم من أنهم تجار وكانوا يفدون من كريت إلى الساحل الشرقي، فقد ارتبطوا بمدينة أبولونيا، وبات كثيرون يعملون في القطاع السياحي، وتأجير منازل للسياح وبناء مصايف خاصة، وهو جانب استدعى اهتمام السلطات بالمدينة، لتبنى قرية سوسة السياحية. إلا أن الفيضانات دمرت غالبية تلك المعالم التاريخية. 

في هذا السياق، يقول أحد سكان المدينة ويدعى فتحي أبو شغيلة إن السكان لا يفكرون في المستقبل بل في تجاوز الأزمة الحالية، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العديد من شبابنا الذين وصلوا إلى مناطق مجاورة أطلقوا استغاثات على مواقع التواصل الاجتماعي لنجدتنا. كنا في حاجة ماسة لإنقاذ المفقودين. أما اليوم فالاستغاثة فقط من أجل الحصول على الماء والغذاء". يضيف أبو شغيلة: "عاد شبابنا من مناطق مجاورة من دون أن يحصلوا على ما يكفي من غذاء أو ماء. غالبية الأهالي فقدوا حتى أموالهم الخاصة، فكيف يمكنهم شراء الغذاء؟ السيول المفاجئة جعلتنا لا نفكر في أي شيء غير الخروج أحياء"، ويضيف: "فقدنا أمتعتنا وكل شيء داخل بيوتنا، ولا شك أن السيول جرفتها إلى عرض البحر". 


ويلفت غشام إلى أن السيول دمرت خطوط نقل الكهرباء ومحطة تحلية المياه الوحيدة بالمدينة، وقد طاولت الأضرار غالبية المحال التجارية. يتابع: "منذ يوم الأحد الماضي وحتى يوم أول من أمس الأربعاء، يفترش من تبقى من السكان ساحة أمام مركز خدماتي تابع للبلدية في أطراف المدينة، وقد تمكّنّا من تجفيف بعض الفرش. ولجأ آخرون إلى خارج المدينة". 
ويقول: "لم يستمع أحد إلى نداءاتنا. زارنا بعض المسؤولين محملين بالوعود، لكن الكهرباء لا تزال مقطوعة. وحتى مشروع المحطة الغازية الذي بدأ إنشاؤه قبل سنوات تضرر بشكل كبير، فيما تستمر أزمة شح الغذاء والدواء، باستثناء كميات لا تكفي وصلتنا مع مسؤولين حكوميين. لكن المطلب الأكثر إلحاحاً الآن هو استجابة السلطات لاستقبال الأسر الناجية في المناطق المجاورة". 

وعن ضحايا السيول، يؤكد غشام أن "المفقودين المسجلين هم نحو 50 أسرة من سكان عمارات مركز المدينة. ولا نعرف ما إذا كانوا أحياء أو أموات. ربما يكون من بينهم من نزحوا خارج المدينة ولم يتمكنوا من الاتصال بأقاربهم في المدينة حتى الآن، لأن الاتصالات مقطوعة أيضاً. لكن وقوع هذه الأبنية في منطقة شبه حوضية مليئة بالمياه يجعلنا عاجزين عن الوصول إليها".  
وفي الوقت الذي قسم شباب الحي أنفسهم إلى مجموعات كفرق متطوعة، يقول المتطوع خميس منتصر إن "التقسيم شبه شكلي لأن العمل عشوائي بشكل كبير. قسم منا يقطع مسافة طويلة على الأرجل للوصول إلى الطريق الرئيسي المار بالمدينة شرقاً وغرباً في محاولة لإقناع قوافل الإغاثات التي تجتاز الطريق باتجاه درنة بحجم الكارثة التي تعيشها سوسة، وضرورة أن يكون لسكانها نصيب من هذه التبرعات، وقسم آخر اتجه منذ يوم أمس إلى شاطئ طرفي المدينة بعدما قذف البحر ثلاث جثث، بهدف البحث عن المفقودين". 

المساهمون