استمع إلى الملخص
- تسببت الحرب في تدمير الأواصر القبلية التقليدية وارتفاع معدلات البطالة بسبب الألغام، مما دفع السكان للتفكير في مغادرة المنطقة بحثًا عن الأمان.
- الآثار النفسية للحرب كانت مدمرة، حيث يعاني الأطفال من اضطرابات نفسية، ويعيش الكبار في قلق مستمر، مع دعوات لتدخل الجيش والحكومة لإعادة الاستقرار.
خلفت الاشتباكات الدموية التي اندلعت في مناطق القبائل الباكستانية المحاذية للحدود مع أفغانستان تأثيرات نفسية وإجتماعية كبيرة على أبناء القبائل، خاصة الشرائح المعوزة من نساء وأطفال وكبار في السن ومرضى
عادت موجة أعمال العنف إلى شمال غربي باكستان، تحديداً إلى مناطق القبائل المحاذية للحدود مع أفغانستان. وكان آخر حلقات هذه الموجة حربا طائفية اندلعت بين القبائل السنية والشيعية في مقاطعة كرم أسفرت عن 82 قتيلاً من السنة والشيعة خلال ثلاثة أيام بين 21 و23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وألحقت خسائر كبيرة في الممتلكات والأموال.
تقول الناشطة الاجتماعية شهلا حسنين لـ"العربي الجديد": "منذ أن عادت أعمال العنف الدموية إلى منطقة القبائل نعيش حالة لا توصف من الخوف والذعر. كل يوم عندما يخرج رجالنا من المنازل لا ندري هل سيعودون سالمين أم لا. قلوبنا معلقة دائماَ، ولا ندري ماذا نفعل، والآن بدأت صفحة جديدة من الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة". تضيف: "لا يؤرقنا فقط الخوف على الحياة، بل إغلاق الطرق وفقدان الأمان في بعضها. عندما نمرض لا نقلق من الداء فقط بل من كيفية الذهاب إلى الطبيب وتوفير السيارة ثم باقي المشاكل على امتداد الطرقات. أما في المناطق التي أغلقت طرقاتها مثل تلك في مقاطعة كرم فالحالة مأساوية للغاية". تضيف: "تخلق الحرب مشاكل اجتماعية بين القبائل المختلفة، فبعض أبناء القبائل ينتمون إلى جماعات مسلحة أو إلى جهات تعارض أفراداً في قبائل أخرى، ما يخلق عداوات قبلية، وقد حدث ذلك فعلاً في الكثير من المناطق. تدمر الحرب وأعمال العنف المجتمع كله، بينما لا تبذل جهود جدية لاحتواء القضية الأمنية، في حين يعرف الجميع أن الحرب دمار وهلاك، وتدمر المجتمع وتقضي على الحياة. وقد ارتفع عدد الأرامل واليتامى في القبائل ما يشكل عبئاً كبيراً على المجتمع القبلي".
ويقول الزعيم القبلي رياض الله خان لـ"العربي الجديد": "تدمر الحرب كل قطاعات الحياة وكل الشرائح، فغالبية الرجال بلا عمل، والحرب خطرة على الأعمال والمشاريع، والخوف سائد خلال العمل في المزارع والحقول، والألغام دمرت حياة كثيرين، وخلّفت معاقين، وجعلت الجميع يخافون من العمل في الحقول والمزارع". يتابع: "كانت الأواصر كل شيء في النظام القبلي، وكفلت إحلال الأمن والسلام في المنطقة، لكن الحرب قضت على هذا النظام، والقوات المسلحة باتت غير قادرة على الخروج من قواعدها بعد صلاة المغرب، فكيف توفر الأمن لنا وتحمي حياتنا؟". ويوضح أن "الحياة أصبحت غير ممكنة في منطقة القبائل التي تركها كثيرون من أبنائها وذهبوا إلى أفغانستان. وإذا لم تتحسن الأمور خلال الأشهر القادمة سآخذ بدوري أولادي وأذهب إلى أفغانستان حيث يتوفر أمن واستقرار على الأقل".
أيضاً يقول وقار أحمد، أحد سكان منطقة بوشير بمقاطعة كرم القبلية التي تشهد الحرب الطائفية لـ"العربي الجديد": "كرهت الحياة بعد أعمال العنف الأخيرة. لم أرَ مثيلاً للدمار الذي حصل خلال الأيام الأخيرة. هذه وحشية وهمجية. رأيت أطفالاً رضعا يقتلون. كان الجميع يعيشون مع بعضهم البعض في القرى، والآن أصبح جميعهم أعداء، ووصل الأمر إلى حدّ أن الحياة أصبحت غير ممكنة في منطقة القبائل حتى لو هدأت الأمور، فكيف يمكن أن نعمل في الحقول معاً مع أناس قتلوا إخوتي وأبناء عمي، وكيف نعمل معهم في سوق واحد، هذا أمر غير ممكن".
وحول الآثار النفسية المدمرة لما يحدث في منطقة القبائل يقول الدكتور حجت الله يوسفزاي لـ"العربي الجديد": "الآثار النفسية للحرب مدمّرة وقاتلة. خلال عملي في مدينة بيشاور مركز إقليم خيبربختونخوا، وهي المدينة المحاذية لمعظم المقاطعات القبلية، رأيت أطفالاً في مقتبل العمر يعانون من أمراض نفسية، وكان أحد الأطفال يصرخ في المنام بعدما رأى والده يقتل على أيدي مسلحين، وهو يتناول حبوب نوم كي ينام. أما كبار السن والشباب والنساء فمعاناتهم النفسية حدث ولا حرج". ويرى الزعيم القبلي في باكستان رياض الله، أن القضاء على أعمال العنف ليس في يد القبائل، ويقول: "إذا لم يلعب الجيش دوره وأيضاً الحكومة لن يتوقف حمام الدم في منطقة القبائل. يجب أن يعود المجتمع القبلي إلى الحالة التي كان عليها قبل عام 2001، وقبل أن يدخل الجيش الباكستاني إليها"