تعدّ المغربية نجاة إيخيش إحدى الناشطات الحقوقيّات اللّواتي انخرطن في معركة الدفاع عن النساء من أجل مناهضة العنف وإقرار المساواة وإنهاء زواج القاصرات ووضع حدّ للتسرّب المدرسي.
خاضت معركتها الأولى من أجل الدفاع عن حقّها في التعليم وعمرها لم يتجاوز الست سنوات، وعارضت رغبة أسرتها في تزويجها في عمر الـ16 عاماً، لتبدأ مسارها في مجال مناصرة النساء المعنّفات والمهدورة حقوقهن والفتيات المعزولات جغرافياً، والمساهمة في إرساء أسس المساواة ومناهضة العقلية الذكورية.
وارتبط اسم إيخيش بالدفاع عن قضايا العنف ضد النساء والزواج المبكر والتسرب المدرسي، وأطلقت عليها ألقاب عدة، منها "أيقونة العمل الاجتماعي" و"نصيرة المساواة"، واختيرت عام 2013 كأوّل مغربيّة تترشح لجائزة "الغارديان" البريطانية لنشاطها في مجال الحركة النسائية.
ولدت إيخيش عام 1958 في ضواحي مدينة ورزازات، جنوبي المغرب، وهي سليلة عائلة مناضلة. والدها الحسين إيخيش كان ناشطاً سياسياً وتجرّع مرارة الاعتقال السياسي وكان القدوة والنبراس لابنته، ومنه تعلمت الصبر.
بداية، تعلّمت إيخيش في الكتّاب القرآني لمدة سنتين. ورفض والدها التحاقها بالمدرسة آنذاك، وارتأى أن تكتفي بما تعلمته في المسجد، إلا أنها لم تستسلم لهذا القرار، وحاولت رغم صغر سنها وبمساعدة أقارب لها ثني والدها وإقناعه برغبتها في متابعة تعليمها.
بالفعل، كسبت الصغيرة الرهان، وكانت تلك أول معركة وجودية تنتصر فيها إيخيش. وفي بداية ستينيات القرن الماضي، التحقت بمدرسة الشفشاوني الابتدائية في مدينة الدار البيضاء، ثم مؤسسة "للا أسماء"، حيث تلقّت تعليمها الإعدادي حتى نالت شهادة البكالوريا عام 1978، ثم تخرجت من كلية الحقوق في الدار البيضاء.
والتحقت إيخيش بمركز تكوين الأساتذة والمربيات في مدينة القنيطرة عام 1981، وعيّنت أستاذة للغة العربية عام 1983.
معركة ضدّ الزواج المبكر
خاضت إيخيش معركتها ضد الزواج المبكر حين كانت في الـ16 من عمرها، وبدأت نضالها عام 1975 ساعية إلى كسر الصورة النمطية السائدة آنذاك، عن كون المكان الطبيعي للمرأة هو بيت زوجها. تقول إنها خالفت رغبة أسرتها في الارتباط وهي في سن صغيرة، ولم تندم على قرار أنار بصيرتها لمعاناة كثيرات لا يستطعن قول لا، فيتحولن إلى زوجات وأمهات وهن بعد أحوج إلى الاهتمام والرعاية والتعلم.
انخرطت إيخيش في الجمعيات الشبابية. وفي عام 1978، تابعت نشاطها في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وساهمت في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عام 1979، وانضمت للنقابة الوطنية للتعليم عام 1981.
ولم تهدأ الشابة التواقة لنصرة المرأة، بل عملت في الأندية النسائية لمحاربة الأمية، وساهمت في تأسيس فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، وهي من مؤسسات المجلس الوطني للتنسيق من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية عام 1992. وفي عام 2003، اختارتها مجلة "الغارديان" البريطانية ضمن النساء العشر الأوليات الفاعلات في مجال التنمية وحقوق الإنسان.
وفي عام 2004، أنشأت مؤسسة "يطو" لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف في مدينة الدار البيضاء لتقديم المساعدة القانونية للضحايا، وتوعية الرجال حول تأثير وخطورة العنف، بالإضافة إلى فتح مجال التكوين المهني لصالح النساء بهدف تحقيق الاستقلالية المادية لهن والاندماج في سوق العمل، بالإضافة إلى العمل على توثيق زواج "الفاتحة" (من دون عقد) والتوعية حول مخاطر زواج القاصرات، والمساهمة في الحد من التسرب المدرسي في البوادي والقرى.
ولا تتوقف إيخيش عن المطالبة بالحدّ من زواج القاصرات، لما له من تداعيات على المجتمع. هذا الزواج الذي يجعل من الصغيرات أمهات قبل الأوان، وأطفالاً من دون حقوق، ومناهضة العنف والتسرب المدرسي، والمطالبة بإرساء المساواة ومحاولة التغلب على الهيمنة الذكورية التي تجذرت منذ زمن بعيد.
وتقول إيخيش إنّ "ظاهرة تزويج القاصرات ما زالت مستفحلة بشكل كبير في المغرب بغض النظر عن إحصائيات وزارة العدل، وذلك من خلال الرصد الذي نقوم به عبر قوافل يطو الاجتماعية التي تجول المغرب المهمش والمنسي". تضيف: "عاينّا تزويج طفلات من عمر 7 إلى 17 سنة في عدد من القرى والمناطق النائية، من دون أي مراعاة لحقوقهن، وأطلقنا تحذيرات أكثر من مرة لوضع حدّ لهذه الظاهرة".
ملالا المغربية
وفي معركتها ضد العنف بحق النساء والتسرب المدرسي، شبهتها وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن المغربية السابقة نزهة الصقلي بملالا يوسفزي، الناشطة الباكستانية التي ارتبط اسمها بتعليم الفتيات، وأصغر حاصلة على جائزة "نوبل".
وقالت في كلمة لها خلال تكريم سابق لإيخيش من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان: "في مسارها الحافل بالعطاء والعمل من أجل النساء وقضاياهن، أجد أن الصديقة ومناضلة الحركة النسائية نجاة إيخيش تشبه بشكل من الأشكال ملالا التي كان عطاؤها ودورها بارزاً في معركة تعليم الإناث".
ولعل هذا التشبيه ينصف فقط جزءاً من العمل الحقوقي والحنجرة التي تصدح من دون توقف لوضع حد لـ"الطفولة المغتصبة"، وتمتيع الأطفال بحقوقهم كاملة في هذا الجزء المهمش من الوطن، ومناهضة العنف بكافة أشكاله، وإن وصل الأمر إلى النضال بأمعاء فارغة.
في 19 فبراير/ شباط الماضي، أعلنت إيخيش دخولها في إضراب عن الطعام بسبب قرار السلطات إخلاء مركز لمؤسسة "يطو". وفي 24 من الشهر نفسه، علقت إضرابها بعد انتصارها في معركتها ضد سلبها الحق في العمل داخل مقرها. وقالت إن تعليق الإضراب جاء بعد زيارة وفد من المجلس الجهوي لحقوق الإنسان، والتراجع عن قرار الإخلاء، واستمرار المؤسسة في عملها.
واعتبرت إيخيش أنّ فيروس كورونا الجديد عرّى واقع العنف الممارس في حق النساء بالتزامن مع الحجر الصحي، ودعت إلى اتخاذ مجموعة من التدابير، من بينها تجريم ظاهرة العنف. وكانت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية)، قد أفادت بأنّ المنزل يعدّ أكثر الأمكنة التي تتعرض فيها المغربيات للعنف، بنسبة 52 في المائة. وأشار تقرير للمؤسسة إلى أنّ من بين 13 مليوناً و400 ألف امرأة مغربية تراوح أعمارهن ما بين 15 و74 عاماً، تعرضت أكثر من 7 ملايين و600 ألف امرأة لنوع واحد من أنواع العنف على أقل تقدير.