نازحو اليمن يتحسّرون على ذكريات عيد الأضحى

11 يوليو 2022
تعرضت مخيمات نازحي مأرب لأضرار أخيراً (فرانس برس)
+ الخط -

يحلّ عيد الأضحى ضيفاً ثقيلاً على مئات الآلاف من النازحين في مخيمات محافظة مأرب باليمن، الذين قذفتهم الحرب إلى العراء، وجعلتهم يواجهون ظروفاً قاسية زاد صعوباتها موسم الرياح والغبار، الذي ألحق أضراراً ببيوت الطين والخيام ومساكن الصفيح التي يقطنونها في أرجاء المحافظة الصحراوية.
تستقبل مأرب أكثر من مليونين ومائتي ألف نازح وفق الإحصاءات الرسمية، ممن فروا من مناطق سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران، ويتوزعون على أكثر من 195 مخيماَ تخلو من أبسط مقومات الحياة، وتنتشر في السهول المحيطة بالمدينة.
ويحل عيد الأضحى هذا العام خلال فصل الصيف، وفي موسم الأمطار والرياح والأعاصير، فيما تبقى هذه المخيمات مقلقة لسكانها في أي ظرف. ففي حال نزول الأمطار، يخشى النازحون السيول التي تتدفق من الجبال الغربية إلى المخيمات، أما  خلال فترة الجفاف فيشتد هبوب الرياح والأعاصير، في ظل غياب أي مخزون لمستلزمات الإيواء والغذاء لمواجهة حالات الطوارئ الناتجة في المحافظة، بحسب ما يقول مصدر مسؤول في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بالمحافظة لـ"العربي الجديد".
يضيف: "قدمنا تقارير باحتياجات النازحين الذين تعرضوا لأضرار، وستتدخل منظمات شريكة قريباً لتوفير مساعدات وإعانات، لكن ما يؤلمنا أن العيد سيمر فيما ستضطر بعض الأسر إلى البقاء في المأوى السابق الذي يضم خيماً ممزقة، فيما يعتبر تدخل منظمات الإغاثة بطيئاً، باعتبارها تطبق إجراءات تنفيذ زيارات ميدانية، ثم التحقق من المعلومات قبل التدخل مباشرة".
فعلياً، نزحت أسر إلى مأرب قبل سبع سنوات، واختلطت عليها الأيام في المخيمات لدرجة أن أفرادها باتوا لا يميزون أيام العيد من غيرها، بعدما فقدوا الشعور بمتعة المناسبة، ويمر العيد عليهم بيأس يتكرر، وفقدان الأمل بالعودة إلى مناطقهم.
يقول علي الزوار، النازح من محافظة صنعاء، لـ"العربي الجديد": "يمر العيد علينا مثل كل الأيام. نزحت مع أسرتي إلى مأرب منذ ست سنوات، أفتقد أهلي، وأتمنى زيارتهم وإلقاء السلام على أبي وأمي والجلوس معهما، لكن ما السبيل إلى تحقيق ذلك؟". يضيف: "لا يمكننا السفر لأن الطرقات مقطوعة. وحتى لو كانت مفتوحة، يعتبر أي شخص يأتي من مأرب إلى مناطق الحوثيين عدواً لهم. وهم اعتقلوا خلال السنوات الماضية أشخاصاً يعملون في مطاعم، وآخرين في محلات لبيع الملابس وغيرها، وقضى بعضهم في سجون الحوثيين. من هنا من يريد أن يلتقي بأسرته وأهله لا مجال أمامه إلا أن يأتوا هم لزيارته بعد عبور طرق شاقة وطويلة وخطرة فيما هم كبار في السن. وهكذا بتنا لا نملك إلا خيار التواصل عبر الهاتف معهم".

وفيما يرغب صالح يحيى، الذي خرج من غرب محافظة صنعاء عام 2016، بمعايدة أفراد عائلته، خاصة والديه، يقول لـ"العربي الجديد": "لا عيد بعيداً من أهلي وأحبابي. أطفالي الذين رزقت بهم في مأرب لم يحملهم جدهم ولا جدتهم. سأتصل بأهلي لمعايدتهم، وسأحاول الظهور قوياً خلال المكالمة، ونتذكر الأيام الماضية والأعياد الجميلة التي قضيناها معاً، قبل أن تحل كارثة الحرب في بلادنا".
لكن اليمنيين يرفضون الاستسلام للظروف التي فرضتها الحرب، ويحرصون على ممارسة الطقوس المعتادة في أيام العيد، ولو عبر فرحة مصطنعة تخنقها سلسلة أزمات مركبة لا تنتهي، وفي مقدمها قذف الحرب أكثر من 18 مليوناً إلى خط الفقر، وفقاً لإحصاءات نشرتها الأمم المتحدة ،التي تؤكد أن أبسط احتياجاتهم بعيدة عن متناولهم.

تتدخل منظمات الإغاثة ببطء في مأرب (فرانس برس)
تتدخل منظمات الإغاثة ببطء في مأرب (فرانس برس)

وتعرقل الطرق المقطوعة، التي تربط مأرب بالمحافظات التي تخضع لسيطرة الحوثيين، مهمات استيراد السلع التي تجعلها شاقة جداً، ما يضاعف ثمنها، وصولاً إلى جعلها صعبة المنال على النازحين، علماً أن الحرب تحاصر المحافظة في ما يشبه الهلال من ثلاث جهات، ولم تبقِ إلا على طرق صحراوية وعرة، ومنفذ وحيد عبر الجهة الشرقية للمدينة.
لكن ذلك لم يمنع قصد عشرات الناس الأسواق لشراء مستلزمات العيد من ملابس وحلويات، أما الأضاحي فعفا البعض أنفسهم منها، وبينهم حميد محمد، النازح من محافظة إب إلى مخيم الجفينة الأكبر في مأرب واليمن عموماً.
يقول حميد لـ"العربي الجديد": "ارتفاع أسعار السلع مهول، لكننا نحاول بقدر ما نستطيع توفير مستلزمات العيد للأطفال وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، من أجل الحفاظ على مشاعر البهجة لديهم، ونشتري بالتالي بزة صينية أو هندية عادية جداً لطفل بمبلغ يصل إلى 30 ألف ريال (30 دولاراً)".

ورفع الانهيار الكبير للعملة اليمنية أمام العملات الأجنبية أسعار الملابس بشكل قياسي هذا العام. ويؤكد تجار أن الإقبال لم يكن كبيراً على الشراء مقارنة بالأعوام السابقة، علماً أن سعر الدولار الواحد يساوي 600 ريال في مناطق الحوثيين، و1100 ريال في مناطق الحكومة الشرعية.
ويقول نادر الصانع الذي يعمل في متجر لبيع الملابس في شارع عام بمدينة مأرب، لـ"العربي الجديد"، إن "الإقبال على الشراء ضعيف للغاية، ومعظم الزبائن الذين اشتروا ملابس في العيد الماضي لم نرهم هذا العيد. الوضع صعب، وأصحاب الدخل الجيد وحدهم اشتروا لأطفالهم ملابس جديدة هذا العيد".
يتابع: "أسكن في مخيم للنازحين وأعرف كثيرين منهم يشترون ملابس لأطفالهم بحسب الحاجة وفي حال الضرورة فقط، مثلاً لطفل في مدرسة. في العيد الماضي، اشترت جمعيات خيرية ملابس لأيتام ونازحين كثيرين، أما هذا العيد فحتى فكرة الشراء تراجعت".

المساهمون