مُلّاك عقارات أتراك يساومون المستأجرين على المساعدات

07 مارس 2023
دمار هائل خلّفه الزلزال (شيم تيكسينوغلو/Getty)
+ الخط -

شهد الجنوب التركي دماراً واسعاً بسبب الزلزال، وخصوصاً ولايتي كهرمان مرعش وهاتاي، وكذلك منطقتي إصلاحية ونورداغ في ولاية غازي عنتاب، أما باقي المناطق فعاشت الزلزال واهتزازاته اللاحقة، لكن مبانيها صمدت إلى حد كبير.
قررت الحكومة التركية منح مساعدات نقدية بقيمة 10 آلاف ليرة (530 دولاراً أميركياً) لقاطني المنازل المتصدعة، وفق تقييم منظمة إدارة الكوارث والطوارئ "أفاد"، وتلك المساعدة بمثابة دعم للعوائل التي خرجت من بيوتها، وتنقّلت في أكثر من مكان، فالمبلغ لا يكفي لإعادة إعمار ما تهدّم، أو حتى ترميم التصدعات. تقوم فرق من منظمة "أفاد" بالتقييم، وتقرر إذا ما كان المنزل متضرراً بشكل كبير، أو أن الضرر خفيف، وترفع تقريراً إلى السلطات لتحديد ما إذا كان قاطنو البناء يستحقون الدعم أم لا.
لكن بعض السوريين الذين نالوا نصيبهم من التعويضات تعرضوا إلى مضايقات من مُلّاك المنازل، وعند ذلك بدأت رحلة التفاوض حول المبلغ. تلقى سوريون رسائل نصية تبلغهم باستحقاقهم مبلغ العشرة آلاف ليرة، أو عرفوا بذلك من خلال بوابة الحكومة الإلكترونية "إي دولات".
يعمل السوري محمد عمر في مطعم بولاية غازي عنتاب، ويقول إنه استيقظ عند حدوث الزلزال، ولا يدري كيف نزل بسرعة مع عائلته من البناء الذي تضرر بشكل كبير، وإنه شعر بأن لحظات الزلزال المدمرة تعادل كل سنوات الحرب التي عاشها في سورية.
يتابع عمر: "اتجهنا إلى أحد المصانع للمكوث فيه ريثما نجد حلاً أفضل، وعشنا ضغوطاً نفسية هائلة بسبب كثرة التنقل خلال أوقات قصيرة، مع استنزاف مقدراتنا المادية بسبب غياب المأوى المناسب، وارتفاع إيجارات المنازل، ثم وصلتني رسالة تفيد بحصولي على مبلغ 10 آلاف ليرة مساعدة من الدولة، وعندها بدأ مالك المنزل سؤال الجيران عن المبلغ، وعند معرفته بحصول البعض عليه، بدأ بالضغط علي للحصول على المبلغ بحجة ترميم البناء، وحصل تفاوض بيننا، لكن من دون جدوى، فبدأت أفكر في مغادرة المنزل، ونحن حالياً خارج مدينة غازي عنتاب".
وشهدت مدينة غازي عنتاب طوابير طويلة من الذين وصلتهم رسالة الدعم، واصطف الناس لمسافة كيلومترات أمام أفرع بنك "زراعات" بغية الحصول على المبلغ، وبعض أولئك كانوا من السوريين المقيمين في المدينة التي يتجاوز عدد السوريين فيها 460 ألفاً، وفق إحصائيات إدارة الهجرة التركية.

مُلّاك عقارات يطاردون المستأجرين بزعم ترميم البناء

يقيم الشاب السوري، أمجد حسناتو، في ولاية كهرمان مرعش، وهي مركز الزلزال وضحيته الأولى، ويعمل في مجال النجارة، وقد عبّر عن سخطه من معاملة بعض مُلّاك المنازل، قائلاً: "هذا المبلغ الذي حصل عليه كثير من سكان المدينة المنكوبة لا يكاد يعوض سعر التلفاز في منزلي، فضلاً عن سرقة محتويات المنزل في ظل الفوضى، وعدم قدرتي على الوصول إلى منازل أقاربي كي أتفقدها".
تعيش عائلة أمجد في المنطقة ذاتها بمنازل متقاربة ضمن مركز المدينة، ويشير إلى الضغوط التي تعرّض لها أقاربه من أصحاب المنازل، والذين اعتبروا أن الدعم يستحقه صاحب المنزل وليس المستأجر، رغم حصول أصحاب المنازل على دعم من الدولة، ضمن مسار خاص بهم، ويضيف: "أصحاب منازل شقيقي وشقيقتي هددوا بطرد العائلتين من منزليهما في حال تأخرتا عن دفع الإيجار، ما يزيد من الضغط على العائلتين النازحتين، وشقيقتي في غيبوبة ضمن وضع صحي متدهور منذ الزلزال".

قيمة التعويض لا تكفي إعادة ترميم المنازل (جوكان بالشي/الأناضول)
قيمة التعويض لا تكفي إعادة ترميم المنازل (جوكان بالشي/الأناضول)

ودفع الدمار الواسع في مدينة كهرمان مرعش السلطات التركية إلى فرض قيود على الحركة بين المباني المدمرة خشية تعرضها للسرقة، وتسريع حركة إزالة الأنقاض بالاستعانة بفرق إنقاذ أجنبية ومعدات وصلت من أنحاء البلاد. في منطقة دورت يول التابعة لولاية هاتاي، حيث مركز الزلزال الثالث ونقطة الدمار الأولى في الجنوب التركي، يسرد عمر العلي حكايته مع أصحاب المنازل "الجشعين" الذين يطالبون بالحصول على مبلغ الدعم المخصص للمستأجرين، ويقول: "عرض شقيقي على صاحب المنزل الحصول على جزء من المبلغ في بادئ الأمر، ثم نصف المبلغ، أي أن يتقاسما المبلغ الحكومي حتى يرضى مالك المنزل ويتركهم وشأنهم، إلا أنه رفض ذلك، وأصر على الحصول على المبلغ كاملاً، ليضع شقيقي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما البحث عن منزل جديد بأقصى سرعة ليسكن فيه اعتباراً من شهر مارس/آذار، وبالتالي يتخلص من ملاحقة صاحب المنزل، أو يُسلمه المبلغ كاملاً ليبقى في بيته، ويرتاح رأسه من الإزعاج، خصوصاً مع تهديد صاحب المنزل لشقيقي بإزالته من النفوس، وإيقاف بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به، مستنداً في ذلك إلى أن ابنه يعمل في جهاز الشرطة".

مبلغ المساعدة لا يكفي لإعادة الإعمار أو ترميم التصدعات

يقول قائم مقام منطقة "بيرجيك"، التابعة لولاية غازي عنتاب، قادر دومان، إن المبلغ المعطى لقاطني المنازل المتضررة هو من مبدأ الدعم الاجتماعي للعائلات، مضيفاً أنه يعلم بوجود بعض المطالبات من أصحاب المنازل للمستأجرين بتسليمهم المبلغ، إلا أن محاولة سحب المبلغ من أصحابه بطريقة أو بأخرى تعتبر "مخالفة للقانون". ودعا دومان السكان كافة إلى تقديم شكوى جنائية بحق من يضغط عليهم، سواء كان المخالفون أفراداً أو شركات، مع التعهّد بالشروع في الإجراءات القضائية والإدارية اللازمة ضد هؤلاء الذين يقومون بتلك الأساليب للضغط على المستأجرين في وقتٍ حرج يركز فيه المستأجرون على سلامة عائلاتهم، ثم تأمين مكان بديل للنزوح إليه.
وأدركت السلطات التركية حجم الضغوط التي عاشها مستأجرو المنازل خلال أزمة الزلزال من قبل أصحاب المنازل، فأطلق مسؤولون عدداً من التصريحات، كان آخرهم وزير الداخلية، سليمان صويلو، والذي قال إن "الزيادات الباهظة في قيمة الإيجارات مؤلمة مثل ألم الزلزال الذي ضرب المنطقة. هذا الأمر يحزننا، وسنقوم كدولة بما هو ضروري لمنع ذلك".
وأشار والي غازي عنتاب، داود غول، إلى ارتفاع أسعار إيجارات المنازل، ووصول شكاوى بهذا الخصوص، موضحاً أن السلطات ستقوم بتغريم جميع الأشخاص الذين تتأكد من أنهم قاموا برفع أسعار الإيجارات بشكل غير معقول، وستكون معظم عقود الإيجار التي جرى رفعها غير مسجلة لدى دوائر الدولة، بغية عدم التزام أصحاب المنازل بالتعريفة الحكومية للإيجار، ورفع السعر كما يحلو لهم، ما يعرضهم لجريمة التهرب الضريبي.

وعاد العديد من السوريين إلى أماكن سكنهم في ولاية غازي عنتاب، مع نسب أقل في كهرمان مرعش وهاتاي، بسبب حجم الأضرار فيهما، بينما اختار آخرون الرحيل إلى الشمال التركي بعيداً عن المدن المنكوبة، كي يبتعدوا عما حصل.
وكشف وزير الداخلية التركي عن عزم السلطات رفع ما يزيد عن 15 مليون طن من الركام في مدينة أنطاكيا وحدها، في حين تنتشر مشاهد الدمار الواسع في ولاية كهرمان مرعش والتي دُمرت فيها أحياء بالكامل، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقتي نورداغ وإصلاحية في ريف عنتاب، وبعض المناطق بات المشي في شوارعها خطراً، بسبب ميل الكثير من الأبنية، وإمكانية انهيارها في أي لحظة، فضلاً عن الأطلال والركام المنتشر على طول الشوارع الرئيسية.
ومع بدء الأزمة الناجمة عن الزلزال، سارعت الحكومة التركية إلى اتخاذ سلسلة خطوات للإنفاق، منها إلى جانب مبالغ دعم المستأجرين وأصحاب المنازل، مبادرات توزيع الطعام على مستوى البلديات في المناطق المتضررة، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مصرفية تركية، إنفاق البنك المركزي التركي 7 مليارات دولار من احتياطياته من النقد الأجنبي عقب الزلزال، بالإضافة إلى قيامه بخفض سعر الفائدة 50 نقطة، لتصبح 8.5 في المائة، بعد أن كانت 9 في المائة قبل الزلزال، مما ساهم في الحفاظ على قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وخفّف بشكل ما العبء المادي على سكان المناطق المنكوبة.
وكشفت السلطات التركية عن تضرر أكثر من 480 ألف بناية من جراء سلسلة الزلازل التي ضربت ولايات البلاد الجنوبية، وأن تلك المباني كانت تضم نحو 1,2 مليون وحدة سكنية، كما أن أكثر من 61 ألف مبنى بحاجة إلى هدم عاجل، فضلاً عن أكثر من 121 ألف مبنى قليلة الأضرار.

المساهمون