ميلاد الأردن: احتفالات بمبدأ الأمان أولاً

25 ديسمبر 2022
يبتهج الجميع بمظاهر الميلاد في الأردن (أحمد عبدو/ Getty)
+ الخط -

تحتفل الطوائف المسيحية في الأردن بعيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، بنصب الأشجار وإضاءتها في الكنائس والبيوت والمناطق التجارية، وتحضير الحلويات، إضافة إلى تبادل الهدايا. لكن مجلس رؤساء الكنائس الأردنية أعلن في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلغاء احتفالات عيد الميلاد هذا العام، بعد مقتل رجال أمن خلال مداهمة نُفِذت بمنطقة الحسينية في معان (جنوب).  
فيما تواكب مدن مادبا وعجلون والسلط والفحيص والكرك وإربد والزرقاء والعاصمة عمّان، حيث يتمركز المسيحيون نشاطات إقامة الشعائر الدينية، ونشر الفرح المجبول بالمحبة والتسامح، وبينها عبر المبادرات الإنسانية، زارت "العربي الجديد" مدينة الفحيص التي تسكنها غالبية مسيحية، وتقع ضمن لواء ماحص والفحيص في محافظة البلقاء، وتتوسط مدينتي عمّان والسلط، وتحدثت مع بعض سكانها.
يقول عدنان شرايحة الذي يملك محل ألعاب وهدايا إن "القدرة الشرائية للأردنيين تتراجع بتأثير الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعرقل توفير سكان المنطقة مستلزمات العيد مثل الملابس والمأكل والمشرب والعيديات التي تقدم للأقارب. وخلال هذا العيد لم أستطع بيع سوى أربع أشجار ميلاد فقط، فيما كنت أبيع حوالى 50 شجرة خلال الفترة ذاتها قبل جائحة كورونا".
يضيف: "ترغب الناس بشدة في تغيير الأجواء التي رافقت انتشار جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، وفي مقدمها تلك التي فرضها التباعد الاجتماعي، لكن الصعوبات المادية تمنع معظمهم من الاستمتاع بالأعياد وشراء مستلزماتها". 
ويوضح أن "الأعياد المسيحية جميلة ومفعمة بالفرح، ومن أهم مظاهرها توزيع كعك العيد وتزيين الأشجار وتركيب إضاءة مبهجة، لكن بعض العادات تغيّرت خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً على صعيد فترة الاحتفالات التي أصبحت تنحصر في أربعة أو خمسة أيام فقط، مقابل نحو شهر سابقاً". 

الصورة
هدايا ميلادية في محل عدنان شرايحة (العربي الجديد)
هدايا ميلادية في محل عدنان شرايحة (العربي الجديد)

بدورها، تخبر رزان حتر، وهي أم لطفلين، "العربي الجديد"، أن طفليها ينتظران بفارغ الصبر من عام إلى عام استقبال العيد وما يرافقه من إضاءة وزينة وأشجار "علماً أننا بتنا نفضل الاحتفالات العائلية أو تلك التي تجري في المدارس، لكونها آمنة وبعيدة عن الضجيج". 
تتابع: "كعائلة مسيحية في الفحيص نستقبل الكثير من الضيوف والمهنئين خلال فترة الأعياد، والذين يأتون لمشاهدة الاحتفالات، وهم من المسلمين والمسيحيين معاً. ونعلم أن الظروف الحالية والأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة تجعل العائلات حذرة، وقد ألغت البلدية جميع مظاهر الاحتفال الرسمية، فالجميع حزينون على شهداء الوطن، لكن كان يمكن إعلان الحداد لمدة معينة، ثم إضاءة الشجرة في المنطقة، وممارسة الطقوس التي ينتظرها الجميع سنوياً، علماً أن شجرة عيد الميلاد دليل على المحبة". ولفتت إلى أن الاحتفالات أصبحت في كثير من الأحيان تنحصر في البيوت، في ظل الأوضاع المادية التي يعانيها غالبية الأردنيين.
أما سهام معايعة، فتقول لـ"العربي الجديد": "نحاول خلال فترة الأعياد خلق أجواء جميلة ومريحة للاحتفال بهذه المناسبة الدينية العزيزة، ونركز على الصلوات، وتختلف الاحتفالات بين عائلة أخرى، وشخص وآخر، ويفضل البعض تلك الجماعية، وآخرون العائلية المحدودة".
تضيف: "تجبر الأوضاع المادية بعض العائلات على اختصار احتفالاتها بالأعياد. وقد أثّرت أجواء جائحة كورونا ببعض الناس، ورسخت لديهم قناعة بأن الاحتفال قد يكون سعيداً، حتى في ظل وجود عدد قليل جداً من الأشخاص".
وتلفت إلى أنه قبل 20 عاماً أو أكثر كانت مظاهر الاحتفالات الجماعية أكثر صخباً في الشوارع العامة، والناس أكثر فرحاً ويتمتعون براحة نفسية أكبر، أما اليوم فالأوضاع ليست كما في السابق، وخاصة في ظل موجات الغلاء. 
بدوره، يقول هويشل العكروش، وهو ستيني من سكان الفحيص، لـ"العربي الجديد": "يذهب الناس إلى الصلاة في الأعياد، ثم يزورون قبور الموتى، وخاصة من لم يمضِ عام على وفاتهم، ثم يعودون إلى الجلوس مع كبار رجال العائلة والعشيرة، ويزورون الأخوات والعمّات والخالات". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف: "كانت الأمور مختلفة في السابق، فالضيافة بسيطة مثل المكسرات واللوز والراحة والحلويات غير مكلفة، لكن مع الأيام تغيّرت مستلزمات العيد. وبعد أداء الواجبات الدينية والاجتماعية يعود الناس إلى بيوتهم لتناول الطعام". 
ويشير إلى أن "الظروف المادية أثّرت في تقاليد الناس، فاليوم ليس كالأمس، إذ تؤثر الأزمة الاقتصادية في غالبية الناس، وأيضاً مظاهر العيد من زينة وإضاءة، وحتى تقديم الهدايا. وقبل جائحة كورونا ليس كما بعده".
ويعتبر العكروش أن "ما يميز العيد هو الزيارات العائلية التي تساهم في تمتين العلاقات الاجتماعية، فالعيد يوم مميز للفرح يكسر روتين بقية الأيام. وجزء كبير من مداخيل العائلات يخصص في الأعياد لشراء ملابس جديدة خاصة للأطفال، وتقديم وجبات طعام مميزة وفاخرة".  
ويرى أن "وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلقت ثقافة استهلاكية جيدة، فهناك عدوى في المجتمع من الاحتفالات التي تجري في دول ومجتمعات أخرى، وأصبح هناك تقاليد لهذه الاحتفالات، وخاصة في الإنارة والزينة والشجرة، والناس يخجلون من الذهاب إلى الأقارب من دون هدايا قيّمة، علماً أن التقييم الاجتماعي أصبح أكثر ارتباطاً بالمستوى الاقتصادي". 
ويوضح العكروش أن مقتل 4 رجال أمن أخيراً في حوادث إرهابية جعل بلدية الفحيص تلغي الاحتفالات الرسمية، "فالأردن بلد واحد بجسد واحد مسلمين ومسيحيين". 

المساهمون