موائد رمضان في مصر... "طار" البط و"حطت" البقوليات
عبد الكريم سليم
- تراجعت جودة وتنوع الأطعمة على الموائد المصرية، خاصة في رمضان، حيث اختفت الأطباق الغنية بالبروتين الحيواني بسبب ارتفاع أسعارها، وأصبحت الأسر تعتمد على الأطعمة البسيطة كوجبات رئيسية.
- تعكس التغيرات في عادات الطعام تحديات اقتصادية كبيرة تواجه الأسر المصرية، مما يضطرها للتكيف بتقليل الاعتماد على البروتين الحيواني وزيادة استهلاك البقوليات والأطعمة البسيطة، في ظل توقعات باستمرار الأزمة الاقتصادية.
حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، كان يندر أن يعلن شخص مصري أنه أكل على الغداء مثلاً وجبة عدس أو باذنجان لأنه أمر "معيب" ينتقص من قيمته الاجتماعية، رغم أن الأحوال الاقتصادية لغالبية المصريين لم تكن على ما يرام حينها.
يتذكر عامر عبد الحميد، وهو معلم متقاعد، تلك الفترة بمزيد من الحنين حين يقارنها بحال الأيام الراهنة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كان من المعيب أن تحضر هذه الأصناف على مائدة الإفطار، على الأقل لدى عائلات الطبقة المتوسطة، أما الحال اليوم فمحزنة جداً إذ باتت البقوليات من بين مكونات موائد شريحة واسعة من الطبقة الوسطى، والفول ضيفاً دائماً على موائد الإفطار بعدما انتقل إليها من موائد السحور".
وخلال السنوات القليلة الماضية، تراجعت تباعاً الأصناف المعتادة على موائد الإفطار، أما العام الحالي فهو الأقسى على الأسر بشكل غير مسبوق. ويؤكد متابعون أن الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يعاني منها معظم المصريين هذا العام ضربت الموائد الرمضانية التي لم تعد عامرة بأشهى أنواع المأكولات.
في اليوم الأول من رمضان، كان من المعتاد أن يحضر البط على الموائد لكنه "طار" من موائد معظم المصريين بعدما وصل سعر الكيلوغرام إلى نحو 200 جنيه (4.16 دولارات). تقول رحاب، وهي موظفة حكومية، لـ"العربي الجديد": "للمرة الأولى منذ عقدين لم تتضمن مائدة أسرتي الرمضانية بطة ومحشي، بل طعاماً تقليدياً من أرز وخضار مع (البانيه)، وهو صدور الدجاج. كنا نسمي البانيه الذي صار مكوناً رئيساً تصبيرة، ويؤكل بين الوجبات لإسكات جوع البطون حتى إعداد طعام، لكنه تحول إلى وجبة رئيسية".
وتحدث أشخاص لـ"العربي الجديد" عن أن البروتين الحيواني كان أول المفقودين على موائد إفطار الأيام الأولى من شهر رمضان، بسبب ارتفاع سعر كيلوغرام اللحم إلى أكثر من 400 جنيه (نحو 9 دولارات)، والدواجن إلى 115 جنيهاً للكيلوغرام (2.39 دولارين) بعدما كان سعره 40 جنيهاً (83 سنتاً) في رمضان الماضي. أيضاً بات وجود التمر الذي يعتبر إفطاراً سريعاً ضمن ما يسمى بكوب "الخشاف"، رمزياً في الإفطار، بعد أن وصلت أسعار البلح المجفف إلى أكثر من 60 جنيهاً (1.24 دولار) للكيلوغرام مقارنة بنحو 25 جنيهاً (52 سنتاً) العام الماضي.
يقول المحاسب مصطفى بدوي، إن إفطار أول يوم رمضاني تطلب ربع كيلوغرام من التمر اليابس، ما يعني أنه سيضطر إلى شراء كيلوغرام بنحو 80 جنيهاً (1.66 دولار) كل أربعة أيام، وبعدما ناقش الأمر مع زوجته، قرر تخفيض عدد التمرات في كل كوب من 3 إلى واحدة، باعتباره خياراً أفضل من مرور أيام بلا تمر. أما باقي مكونات كوب الإفطار مثل القراصيا والمشمشية وجوزة الهند، فلم يفكر في شرائها أصلاً "فربع كيلوغرام من المشمشية ثمنه 200 جنيه".
اللافت أن المشروب الرمضاني التقليدي "العرقسوس"، شحّ وجوده في الأسواق من دون سبب معروف، ووصل سعره إلى نحو 180 جنيهاً (3.74 دولارات). أيضاً سقطت من موائد المصريين هذا العام أصناف الحلويات بشكل أكبر من العام الماضي، والتي لم تتأثر فقط بتراجع ومحدودية المداخيل، بل اختفت بسبب نقص السكر من الأسواق بعد الارتفاعات القياسية في أسعاره، وتجاوزه الـ60 جنيهاً.
البروتين الحيواني مفقود على الموائد المصرية ومعه الياميش والخشاف
وظلت أنواع المكسرات "الياميش" في تراجع منذ عقود، علماً أن المصريين كانوا يحرصون على وجودها، لكن وصول أسعارها إلى مستويات فلكية أزالها من قائمة موائد رمضان. ووصلت المشمشية السورية إلى 460 جنيهاً (9.5 دولارات) والقراصيا إلى 370 جنيهاً (7.7 دولارات) للكيلوغرام ، وتجاوز سعر كيلوغرام الفستق 750 جنيهاً (15.6 دولاراً)، وكيلوغرام اللوز 520 جنيهاً (10.8 دولارات) وكيلوغرام عين الجمل 360 جنيهاً (7.4 دولارات) والبندق 650 جنيهاً (13.5 دولاراً).
لم يكن الموظف بشركة اتصالات عبد الله محمد، يتخيّل قبل عام أن يكون العدس طبقاً رئيساً على مائدة إفطار عائلته في رمضان، وهو الحلّ الذي لجأ إليه بسبب يأسه من إمكان أن يكفي راتبه لمستلزمات الشهر الكريم، ووجد أن اعتماد خيار الحدّ الأدنى هو الأفضل بالنسبة له. ورغم أنه نجح بالتعاون مع زوجته في إطعام أسرته المكونة من أربعة أفراد دجاجاً وخضاراً وأرزاً في اليوم الأول من رمضان، لكنهما اتفقا على تخصيص يوم واحد لتناول البروتين الحيواني كل أسبوع، وتعويض البروتين في باقي الأيام ببقوليات على رأسها العدس. يقول لـ"العربي الجديد": "الطقس بارد، ولا ضرر من تناول العدس الذي يبعث الدفء".
إلى جانب العدس، حلّ البيض على موائد الإفطار، وسعر الواحدة 5 جنيهات (10 سنتات)، إلى جانب البطاطس المقلية، وانتقل الفول من السحور إلى الإفطار، مع تعمّد إخفاء هذا الأمر عن أنظار الضيوف والجيران باعتباره عاراً اجتماعياً.
يُقارن عادل عبد الكريم، وهو معلم على المعاش من القاهرة، بين موائد المصريين الرمضانية هذا العام، وتلك خلال العقد الأول من الألفية حتى التعويم الأول للجنيه عام 2016 قبل أن تنقلب الأوضاع تدريجاً وتختفي الأصناف المعتادة تباعاً، ويقول لـ"العربي الجديد": "أشعر أحياناً بأننا نستحق العيش في وضعنا الحالي بعدما كانت كميات اللحوم والدجاج والخضار والعصائر والتمر وقمر الدين والكنافة معلماً رمضانياً، تفوق احتياجاتنا على الموائد من دون أن تشكل أي عبء على ربّ الأسرة مهما كان مستوى دخله".
ويستعيد محمود نجم، وهو موظف يعيش في محافظة أسيوط (جنوب)، ذكريات موائد رمضان في الماضي حين كانت الأسر تستعد لها عبر تخصيص جزء من دخلها خلال العام لها، وتخزين سلع، في حين تربي الأسر في الأرياف الدجاج والبط والأوز خصيصاً للشهر.
ومرّ أول يومين من رمضان على محمود وأسرته بخلاف السنوات السابقة، واتفق مع زوجته وابنتيه على عدم حرمان الأسرة التي تتألف من سبعة أفراد من شيء اعتادوا عليه. وبناء على ذلك سيجري تقاسم دجاجة بدلاً من اثنتين كانتا تكفيان حاجة الأسرة سابقاً، لأن ثمن الدجاجة الواحدة وهو 250 جنيهاً (5 دولارات)، يعادل ثمن ثلاث دجاجات العام الماضي.
بدوره، يعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، رشاد عبده، بأن الشعب المصري قادر على أن يتكيّف مع ظروفه الاقتصادية لدرجة أنه لقّب ربّة المنزل بـ "وزيرة المالية ورئيس الوزراء" لقدرتها على تأمين مستوى معيشة يناسب أفرادها مهما كان حجم الضائقة المالية. ويشدد على ضرورة أن تستخدم المصريات مهاراتهن بأقصى درجة لتأمين موائد إفطار مناسبة توفر احتياجات الصائمين خلال شهر رمضان، ولو في حدها الأدنى، حرصاً على توفير غذاء متكامل.
ويقرّ عبده بأن الأسر المصرية تواجه معضلة تراجع القدرة الشرائية، ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك تراجع كمي ونوعي في موائد رمضان خلال السنوات الأخيرة، وستختفي بالكامل تلك التي كانت تضم كميات كبيرة من اللحوم والطيور (دجاج، أوز، بط) وكل أنواع الحلويات والعصائر من القراصيا والمشمشية، وأيضاً أنواع من المكسرات". يتابع: "قد يشكل تراجع مستوى معيشة المصريين خلال السنوات الأخيرة فرصة لتعديل السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة، والتركيز على الأولويات والسلع الضرورية، لا سيما أن الأزمة الاقتصادية وتراجع مستويات معيشة المصريين قد تستمر سنوات طويلة".