تعدّ مهنة القصَّخُون واحدة من المهن أو الفنون الثقافية الشعبية المتوارثة في مدينة الموصل العراقية، وقد ظهرت منذ العهد العثماني، لكن انتشار الراديو والتلفزيون ساهما في اندثارها تدريجياً منذ ستينيات القرن الماضي.
والقصَّخُون في العراق هو الحكواتي الذي يروي الحكايات والقصص القديمة التي يسمعها من الأجداد أو يكتبها له بعض الأشخاص أو يؤلفها بنفسه، منها الحقيقية ومنها الخيالية، وكان الناس يأخذون منها الحكم والعبر.
كان الحكواتي يتردّد سابقاً على المقاهي ليروي حكاياته بطريقته السلسة والمشوقة التي تستميل الآذان والعقول للمتعة واستخلاص العبر، وقد كانت هذه المهنة مشهورة جداً في المحافظات العراقية، ومنها مدينة الموصل.
عبير الغانم، الذي يعمل في مجال الإخراج التلفزيوني، وهو أحد الشخصيات الموصلية الذي بدأ قبل حوالي سنة بأخذ دور القصَّخُون في المجالس والمهرجانات الثقافية، تحدث لـ"العربي الجديد" عن القصَّخُون بقوله: "إنها من المهن التراثية القديمة في كل المجتمعات العربية، بدأت بعد نهاية الدولة العباسية وبداية الدولة العثمانية، أي تقريباً قبل 400 سنة".
وأوضح: "القصَّخُون كلمة مؤلفة من مقطعين، هي قصّة وخون، معناها راوي القصة، وفقط في العراق يسمى بالقصَّخُون، أما في البلاد العربية مثل مصر وسورية فيطلق عليه غالباً الحكواتي".
وتابع: "كان القصَّخُون شخصية يمكن استخلاص عِبر ودروس من القصص التي يرويها، وقد كانت جعبته لا تنضب من العنتريات والهلاليات والسير، وكان يسافر عبر بساط ألف ليلة وليلة والسندباد البحري، والشاطر حسن وغيره".
وعن اندثار هذه المهنة، يقول الغانم: "اندثر القصَّخُون مع بداية التكنولوجيا وظهور الراديو، الصحافة والتلفزيون، وانتهى دورهم الذي تأرجح بين التسلية والإعلام، ويمكن وصفهم بمؤسسة إعلامية في ذلك الزمان".
ويسعى الغانم ومعه محبو هذا الفن إلى إعادة إحياء هذا الموروث الثقافي لمدينة الموصل، لأن "شباب هذا الجيل لا يعرفون شيئا عن القصَّخُون ولا حكاياته"، كما يوضح المتحدث الذي دخل مجال رواية الحكايات قبل سنة تقريباً.
وشهدت مدينة الموصل العراقية، مؤخراً، العديد من الأنشطة الثقافية لتعزيز روح التراث والثقافة لدى سكان المدينة التي تعرضت لتدمير العديد من أماكنها التراثية والأثرية عند سيطرة تنظيم "داعش" عليها بين عامي 2014-2017.
مهرجان التراث في محافظة نينوى، الذي أقامه فريق تراث الموصل، جاء في سياق حفظ وإحياء التراث الثقافي لمدينة الموصل ومحافظة نينوى بشكل عام.
وأقيم هذا المهرجان في قاعة البهو الملكي في متحف الموصل الحضاري، وتضمن عدة أنشطة، منها عرض صور ولوحات تراثية عن الأماكن التراثية في المدينة وفقرات موسيقية فلكلورية وبازارات، وكذلك فقرة القصَّخُون أو الحكواتي.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، قال رئيس فريق تراث الموصل أيوب ذنون: "الكثير من الموروث الثقافي في هذه المدينة اندثر، لذلك نحاول بعثه من جديد في محافظة نينوى، والقصَّخُون أحد هذه الفنون التي نحاول إحياءها اليوم من خلال مهرجان التراث الأول في محافظة نينوى، حاولنا جلب القصَّخُون أو الحكواتي لكي يروي الحكايات التراثية والموروث الثقافي لهذه المدينة للأجيال".
وأضاف: "حاولنا من خلال المهرجان تسليط الضوء على العديد من الأنشطة، كالفلكلور والحرف اليدوية الخاصة بالتراث، ومن ضمن هذه النشاطات أيضاً الفرق الموسيقية، وكذلك القصخون الذي يحكي الحكايات الموصلية للأطفال والناس التي تحضر هذه المجالس".