"منيو برايل".. خدمة مبتكرة للمكفوفين في الإسكندرية

04 مايو 2024
أسعدت مبادرة توفير "منيو برايل" المكفوفين في الإسكندرية (فريديريك سلطان/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في خطوة نحو دمج المكفوفين، ألزمت الإدارة المركزية للسياحة في الإسكندرية المنشآت السياحية بتوفير قوائم طعام بتقنية برايل، مما يعزز استقلالية المكفوفين ويحفظ كرامتهم.
- هذه المبادرة تأتي بعد تجهيز شواطئ لذوي الإعاقة، معبرة عن جهود الإسكندرية لتحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع.
- تمثل المبادرة تجربة إنسانية تسلط الضوء على أهمية الاهتمام بحقوق المكفوفين، وتشكل خطوة نحو مجتمع أكثر شمولية، معززة الوعي والتضامن المجتمعي تجاه تحدياتهم.

لم تعد قوائم الطعام مجرد أوراق توضع على الطاولات، بل وسيلة لتكريس حقوق المكفوفين والحفاظ على كرامتهم، بعدما منحتهم الإدارة المركزية للسياحة والمصايف في محافظة الإسكندرية، شمال مصر، فرصة استكشاف عالم النكهات والمأكولات بأنفسهم، من خلال تقديم قائمة طعام (منيو) بتقنية "برايل" التي جعلتهم يستمتعون بتجارب تناول المأكولات، من دون أن يعتمدوا على مساعدة الآخرين، وبعيداً عن أي إحراج.

وقررت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بمحافظة الإسكندرية إلزام كل المنشآت السياحية باختلاف أنواع خدماتها ودرجاتها، تقديم قوائم طعام "منيو برايل" التي يستخدمها المكفوفون في القراءة والكتابة من أجل تسهيل قراءتهم لها.
وجاء ذلك بعد تجهيز شواطئ عدة في المدينة الساحلية لذوي الإعاقات صيف العام الماضي 2023، ما جعلهم يستمتعون بالبحر وأمواجه بأمان حينها، وزرع السعادة في نفوسهم ونفوس أسرهم، ودفع مؤسسات المجتمع المدني والمهتمين بالمعوقين إلى الإشادة بأهمية الخطوة المفيدة.

وبالنسبة إلى المكفوفين شكّلت الدقائق الأولى التي شهدت لمسهم قوائم الطعام المزودة بتقنية "برايل"، تجربة ساحرة، ففي تلك اللحظة تحوّلت حروف وكلمات القائمة إلى نقاط تلامس أطراف أصابعهم، ما سمح لهم بقراءة وفهم المحتوى بأنفسهم. وكانت أعينهم تتلألأ بالدهشة والسرور، وهم يجولون بأصابعهم على الكلمات المكتوبة، وكأنها تروي لهم قصصاً لا تعد ولا تحصى عن الأطباق اللذيذة والمأكولات الرائعة المتاحة.
يقول الشاب الكفيف أشرف عبد الرحمن (34 سنة) لـ"العربي الجديد": "أثناء جلوسي في أحد المطاعم الكبرى وسط الإسكندرية شعرت بسعادة لا توصف عندما سمعت بأن إدارة السياحة والمصايف بالإسكندرية أمرت بتوفير قوائم طعام بطريقة "برايل" في المطاعم. كان عدم قدرتي على الاطلاع على قوائم الطعام عائقاً دائماً لي لدى زيارة المطاعم، والآن أستطيع بعد طول انتظار اختيار الأطباق بنفسي من دون الحاجة إلى مساعدة، لذا أنا ممتن لهذه الخطوة المبتكرة التي آمل أن تكون نموذجاً يحتذى به في مدن أخرى".
وتقول نورا سليمان، وهي والدة طفلة كفيفة في الحادية عشرة من عمرها: "كأم لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت مناسبات تناول الطعام في المنشآت السياحية تمثل تحدياً كبيراً لنا. كنا نحتاج إلى قراءة القائمة لابنتنا واتخاذ قرارات بالنيابة عنها، أما الآن مع توفر القوائم بطريقة برايل، أصبحت ابنتي تستطيع قراءتها بنفسها، واختيار ما ترغب في تناوله. نحن سعداء للغاية بهذه الخدمة المبتكرة، ونأمل في أن يستمر الدعم لتحسين أحوال ذوي الاحتياجات الخاصة".
من جهته يجلس الستيني الكفيف علي شكري ببهجة على أريكة في أحد أركان فندق شهير غربي الإسكندرية، ويقول لـ"العربي الجديد": "يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة وأسرهم من حساسية مفرطة تجاه كل ما يحط من شأنهم بسبب إعاقاتهم، وفعلت إدارة السياحة والمصايف الصواب بمنح المكفوفين القدرة على قراءة المنيو". ويضيف: "بعدما عشت كفيفاً سنوات طويلة، أرى أن أي تحسّن في حياة ذوي الاحتياجات الخاصة وسيلة للخير في ظل مواجهتهم تحديات عدة في المجتمع".

"منيو برايل" تجربة ساحرة للمكفوفين بعد تخصيص شاطئ لهم في الإسكندرية (فريد قطب/ الأناضول)
"منيو برايل" تجربة ساحرة للمكفوفين بعد تخصيص شاطئ لهم في الإسكندرية (فريد قطب/ الأناضول)

"منيو برايل".. تجربة إنسانية

وتقول هبة أحمد توفيق، وهي موظفة في الإدارة المركزية للسياحة والمصايف، وصاحبة فكرة المبادرة، لـ"العربي الجديد": "تفاعلت مع أوضاع مكفوفين تعرفت إليهم في الشاطئ الخاص بهم الذي افتتح بمحافظة الإسكندرية العام الماضي، وفاجأتني إرادتهم ورغبتهم في الاعتماد على أنفسهم بقدر ما يستطيعون أثناء ممارستهم شؤون حياتهم، لذا راودتني فكرة تخصيص قوائم طعام بلغة برايل".
ووصفت المبادرة بأنها "تجربة إنسانية فريدة تهدف إلى دمج المكفوفين في المجتمع، كي يستطيع من يفقدون البصر اختيار ما يناسبهم من طعام باستقلالية تامة داخل المطاعم والمقاهي والفنادق بمحافظة الإسكندرية، والاعتماد على أنفسهم من دون الحاجة إلى مرافقين. ويشكل ذلك دعماً معنوياً ونفسياً كبيراً لهم يشكل امتداداً للدعم الذي وجدوه حين افتتح الشاطئ الخاص بهم العام الماضي، ما سمح لهم بالنزول إلى البحر بمفردهم، بالاعتماد على حاسة اللمس".
ويؤكد الدكتور محمد عبد الرازق، رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف في الإسكندرية، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المحافظة تسعى إلى توفير ما يحتاجه ذوو الاحتياجات الخاصة للاستمتاع بحياتهم، مثل باقي أفراد المجتمع، ومنحهم الفرصة للحضور داخل كل مرافق الدولة بشكل طبيعي".

يضيف: "بدأنا في تنفيذ المبادرة وتطبيقها في 78 منشأة حتى الآن بعدما تواصلنا مع جمعيات المكفوفين من أجل فهم احتياجاتهم، ومعرفة أماكن طباعة قوائم منيو برايل. وهناك خطة لتعميم الفكرة على جميع المنشآت السياحية، ووضع قانون لضمان توفير المنشآت نسختين على الأقل من قوائم الأسعار بتقنية برايل لذوي الاحتياجات الخاصة".

تحرر واستقلالية

ويتحدث أحمد بهاء الدين، الأمين العام لجمعية "نور الحياة" لمساعدة المعوقين، لـ"العربي الجديد"، عن أن "لحظة قراءة المكفوفين المنيو بأنفسهم حملت أكثر من مجرد إمكانية لقراءة القائمة، إذ تحوّلت إلى رمز للتحرر والاستقلالية التي طالما حلم بها من حُرموا نعمة البصر. وبدت السعادة واضحة على وجوههم، وظهرت الثقة لديهم بعدما أصبحوا قادرين على اتخاذ قراراتهم الخاصة باختيار الطعام، وتجربة النكهات المختلفة من دون أن يضطروا إلى الاعتماد على الآخرين".
ويتابع: "في تلك اللحظة تجاوزت الكلمات والأحرف البصرية حاجز الصمت الظاهري للمكفوفين، لتصبح النقاط الملموسة لغة تعبيرية تنقل الأمل والسعادة بشكل واسع أمامهم، ورمزاً للتغيير والتقدم نحو مجتمع أكثر شمولاً ومساواة، وأن حقوقهم بصفتهم مواطنين تُحترم وتلبى".

المساهمون