استمع إلى الملخص
- أصدرت المحكمة العسكرية أحكاماً قاسية على رموز قبلية وصحافيين، مما أثار قلق خبراء الأمم المتحدة الذين أشاروا إلى انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة وطالبوا بوقفها.
- طالبت المنظمات بإلغاء الأحكام والإفراج عن المتهمين، ووقف إحالة المدنيين للقضاء العسكري، وفتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات.
أعربت 17 منظمة حقوقية مصرية وإقليمية عن استنكارها "الأحكام العسكرية الجائرة والقاسية" بالسجن بين ثلاث وعشر سنوات، الصادرة عن محكمة عسكرية، يوم السبت 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بحق 62 مدنياً من سكان محافظة شمال سيناء، بينهم رموز قبلية ونشطاء وصحافيون، على خلفية دعوات للتظاهر واحتجاج سلمي -إلى حد كبير- طالبوا فيه بالحق في العودة لأراضيهم التي هُجّروا منها قسرياً.
وقالت المنظمات، في بيان مشترك، اليوم الاثنين: "تعكس هذه الأحكام، الصادرة في القضية رقم 80 لسنة 2023 عن محكمة الجنايات العسكرية بالإسماعيلية، تصعيداً خطيراً في سياسات السلطات المصرية إزاء السكان المهجرين قسراً، والتي تواصل تجاهل حقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها حقهم في العودة لأراضيهم، وحقهم في محاكمة عادلة أمام قاضيهم الطبيعي، بعيداً عن المحاكم الاستثنائية التي تفتقر لضمانات العدالة".
وقالت المنظمات الموقعة: "إن الأحكام بالسجن لسنوات بسبب وقفة احتجاجية سلمية إلى حد كبير للمطالبة بحق العودة المشروع لأبناء سيناء تعد باطلة لصدورها من محكمة عسكرية، ولأنها بُنيت على سلب الحق في التظاهر السلمي، كما أنها شديدة القسوة بالنظر لطول مدة العقوبة، وتعكس الجبروت السلطوي في التعامل مع أهالي سيناء".
كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمها بحبس الشيخ صابر حماد الصياح، أحد أبرز رموز قبيلة الرميلات في سيناء، لمدة سبع سنوات، فضلاً عن حبس نجليه عبد الرحمن ويوسف، لمدة عشر وثلاث سنوات على التوالي. كما تضمن الحكم حبس 11 آخرين لمدة سبع سنوات، وحبس 41 آخرين لمدة ثلاث سنوات، بالإضافة إلى أحكام غيابية بالسجن عشر سنوات على سبعة متهمين آخرين، بينهم صحفيان بارزان، وهما حسين القيم، الصحافي في جريدة الوطن، وعبدالقادر مبارك، عضو نقابة الصحافيين.
عقب مرور أربعة أيام على صدور الحكم، صدق اللواء أركان حرب ممدوح جعفر، قائد الجيش الثاني الميداني، بتاريخ الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول، على جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية بالإسماعيلية، دون إجراء أي تعديلات على الأحكام المقررة.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، نشر مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، (وهم المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات؛ وأعضاء الفريق الأممي العامل المعني بالاحتجاز التعسفي؛ والمقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة) خطاباً مُرسلاً للسلطات المصرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعربوا فيه عن "قلقهم الشديد إزاء المحاكمة العسكرية للمدنيين في هذه القضية، وما شابها من انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة، وفق المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". وطالبوا باتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف انتهاكات كهذه ومنع تكرارها.
وتعود جذور القضية إلى أغسطس/آب 2023، ومع مرور عشرة أعوام على وقائع التهجير القسري لسكان مدينتي رفح والشيخ زويد في خضم العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب؛ نظم أهالي رفح اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بحقهم في العودة لأراضيهم. ووعد قائد الجيش الثاني الميداني (اللواء محمد ربيع بمدينة العريش) الأهالي بترتيب عودتهم إلى قراهم بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم يحدث ذلك؛ الأمر الذي دفع المئات من سكان شمال سيناء، المنتمين إلى قبيلتي الرميلات والسواركة، في مناطق بالقرب من قرى الوفاق والمهدية قرب رفح وقرية الزوارعة جنوب الشيخ زويد، إلى الاحتجاج مجدداً في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومطالبة السلطات بالامتثال لتعهداتها لشيوخ القبائل في أغسطس/آب، حيث تجمع المئات من الأهالي للتعبير عن احتجاجهم سلمياً، حتى فضت قوات الجيش المظاهرة بالقوة، واعتقلت عدداً من المحتجين. كما تبعت ذلك حملة من الاعتقالات للأهالي من بيوتهم جرى توثيق بعضها من خلال شهود عيان.
وحسب البيان، "ادعت السلطات في محضر النيابة أن المحتجين قذفوا قوات الجيش بالحجارة، وأحدثوا تلفيات تقدر بعشرة آلاف جنيه (نحو 200 دولار أميركي) في ثلاث سيارات مدنية تابعة للجيش، كما أصيب أحد الجنود بشج في منطقة الوجه". وعلقت المنظمات "على الرغم من أن الاحتجاج كان سلميا إلى حد كبير، فإن المحكمة العسكرية أصدرت حكمها بإدانة جميع المتهمين، وحتى في حالة صحة التلفيات، فإن الحكم غير متناسب على الإطلاق. كما أن حكم المحكمة لم يتوصل إلى المسؤولية الجنائية الفردية لكل شخص، كما هي العادة في المحاكمات الجماعية الجائرة أمام المحاكم العسكرية".
وأكدت المنظمات: "يشكل التهجير القسري الذي تعرض له سكان شمال سيناء منذ عام 2013 انتهاكًا واضحًا للمادة 63 من الدستور المصري، التي تحظر التهجير القسري بكافة أشكاله وتعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم. فضلاً عن مخالفته للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النقل القسري للسكان في أثناء العمليات العسكرية، إلا إذا كان ذلك لدواعٍ أمنية قصوى، وبعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى، مع ضمان عودة السكان بمجرد زوال الأسباب المؤقتة". وأضافت المنظمات: "رغم إعلان الرئيس السيسي في أبريل/نيسان 2022 انتهاء العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، فإنها ظلت منطقة عسكرية بحكم الأمر الواقع، ولم تُتخذ أي خطوات جادة لضمان عودة السكان إلى أراضيهم؛ بل على العكس، واصلت السلطات المصرية تقويض حقوق السكان، مكتفية بوعود مكررة بالعودة، وتجاهل المطالب المشروعة بالتعويض العادل بالتساوي عن منازلهم وأراضيهم التي تعرضت للهدم والتجريف".
وبحسب شهود العيان، قالوا للمنظمات إن "قوات الجيش استخدمت العنف المفرط غير المبرر بحق المطالبين بالعودة، بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، واعتقال عشرة منهم على الأقل بمقر كتيبة الساحة (أحد أكبر معسكرات الجيش في رفح). وأفاد آخرون أن مدرعة عسكرية تعمدت الاصطدام بسيارة أحد المتظاهرين، ما تسبب في إصابته بجروح خطيرة في الرأس وفقدان الوعي".
وفقًا للمادة 73 من الدستور المصري، يتمتع المواطنون بحق تنظيم الاجتماعات العامة والمظاهرات السلمية دون قيود تعسفية. كما يكفل العهد الدولي، الذي صادقت عليه مصر، الحق في التجمع السلمي. ومن ثم، يعد استخدام السلطات المصرية القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، واعتقال المشاركين تعسفيًا، انتهاكًا مباشرًا لهذه الضمانات الدستورية والدولية. وأشارت المنظمات إلى أنه "على مدى العقد الماضي، ارتكبت القوات المسلحة العديد من الانتهاكات بحق المدنيين في شمال سيناء بذريعة مكافحة الإرهاب؛ بما في ذلك هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، خاصة في مدن رفح والشيخ زويد والعريش. وأدت هذه العمليات إلى نزوح نحو 150 ألف مواطن سيناوي، إلى مدن أخرى داخل المحافظة أو إلى محافظات أخرى، فضلًا عن تدمير مدينة رفح بالكامل، وفق تقديرات حقوقية مستقلة".
وأضافت المنظمات "شابت القضية (80/2023) العديد من الانتهاكات القانونية والإجرائية، وثقتها المنظمات الحقوقية. فقد خلت أوراق القضية من إذن النيابة بالقبض أو بالتفتيش المسبب، باستثناء المتهم الأول "الشيخ صابر"، أحد أبرز شيوخ قبيلة الرميلات -الذي صدر قرار من النيابة العسكرية بضبطه وإحضاره. أما بقية المتهمين فتم القبض عليهم دون إذن قضائي مسبب، ودون وجود حالات التلبس، على نحو يخالف المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية".
وأضافت: "كما لم تتضمن الأوراق أية تحريات حول تفاصيل القضية، ولم تستمع المحكمة لأقوال المتهمين حتى صدور الحكم عليهم. كما أظهرت الأوراق، التي حصلت المنظمات على نسخة منها، أن المتهمين قد تم احتجازهم في أماكن غير رسمية قبل وأثناء وبعد تحقيقات النيابة العسكرية، حيث تعرضوا للانتهاكات البدنية وسوء المعاملة، ما يشكل انتهاكًا للمادة 54 من الدستور، والتي تضمن حق كل محتجز في معاملة كريمة وحمايته من التعذيب أو المعاملة المهينة. كما أشار بعض الأهالي والمحامين إلى حرمان العديد من المتهمين من الزيارة أو مجرد الاتصال بالعالم الخارجي، بما في ذلك من خلال المراسلات".
وأوضحت: "يُعد توسيع اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين خرقًا صريحًا للمادة 204 من دستور 2014، التي تشترط لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري أن يكون هناك اعتداء مباشر على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة. كما تُعد المحاكمات العسكرية انتهاكًا للحق في المحاكمة العادلة، المكفول بموجب المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن لكل شخص الحق في المثول أمام محكمة مستقلة ونزيهة؛ إذ تفتقر المحاكم العسكرية للضمانات الأساسية التي تتيح للمتهمين الدفاع عن أنفسهم، والاطلاع الكامل على الأدلة والطعن عليها، واستدعاء الشهود، فضلاً عن عدم وضوح الموقف الإجرائي القانوني الخاص بطرق الاستئناف والطعن على أحكام الجنايات العسكرية"، حسب المنظمات.
وطالبت رئيس الجمهورية، بصفته الحاكم العسكري، إلغاء هذه الأحكام الجائرة والأمر بالإفراج عن جميع المتهمين. كما طالبت بالتوقف عن إحالة المدنيين للقضاء العسكري، مع تعديل المادة 204 من الدستور المصري، لحصر اختصاص القضاء العسكري في محاكمة العسكريين.
وطالبت المنظمات الحكومة المصرية بالالتزام بوعودها بعودة المهجرين إلى أراضيهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء عمليات التهجير القسري. وفتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات التي تعرض لها سكان شمال سيناء، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين واحتجازهم بشكل غير قانوني. ووقف كافة أشكال التمييز والقمع الممنهج بحق سكان شمال سيناء، وضمان احترام حقوقهم في التجمع السلمي، وحرية التعبير، وحقهم في الحياة الكريمة.
المنظمات الموقعة هي مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، ومجموعة حقوق الأقليات الدولية، وFair Square، ومركز الديمقراطية في الشرق الأوسط، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ولجنة العدالة، وهيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، وإيجيبت وايد لحقوق الإنسان، ومنصة اللاجئين في مصر، ومؤسسة دعم القانون والديمقراطية، وريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.