مكتبة البلدية في إربين الأوكرانية: ملاذ سكان المدينة المدمرة

28 ديسمبر 2022
يأتي الكثيرون إلى المكتبة للعمل أو لشحن بطاريات أجهزتهم (جينيا سافيلوف/ فرانس برس)
+ الخط -

يصطف المئات صباح كل يوم متأبطين حواسيبهم المحمولة أمام المكتبة البلدية في مدينة إربين الأوكرانية في انتظار أن تفتح أبوابها، إذ يلجأون إليها لبضع ساعات نظراً إلى انقطاع التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت في منازلهم بسبب القصف الروسي.

وما إن يصبح الدخول متاحاً، حتى يتهافت المنتظرون سريعاً على المقاعد المتوافرة في قاعة المطالعة وفي قسم كتب الأطفال، أملاً في الفوز بمكان مناسب في هاتين المساحتين اللتين أصبحتا مخصصتين للعمل.

وباتت المكتبة بفضل مولّدها الكهربائي أشبه بواحة في مدينة إربين الواقعة قرب كييف، والتي احتلها الروس بعد معارك دامية في بداية غزوهم أوكرانيا قبل أن يضطروا إلى الانسحاب منها خلال الربيع.

ومن بين الذين يأتون إلى المكتبة للعمل أو لشحن بطاريات أجهزتهم طلاب، وعاملون في مختلف القطاعات، لكنّ حصصاً دراسية تقام فيها كذلك، فيما تُستخدم بعض زواياها أيضاً كعيادات للعلاج النفسي.

ويمتزج مثلاً في المشهد عاملون مستقلون يرتشفون القهوة الساخنة وتلاميذ ثانويون أتوا لمتابعة حصة دراسية عن "الثقافة الموسيقية الأوكرانية".

حتى إن "سفاتي ميكولاي" (أو "القديس نيكولاس") الذي يقدم في ديسمبر/ كانون الأوّل الهدايا إلى الأوكرانيين الصغار، يتخذ من المكتبة مقراً لاستقبال الأطفال الراغبين في أن يتصوروا معه.

"القديس نيكولاس" اتخذ من المكتبة مكانًا لتقديم الهدايا للأطفال (جينيا سافيلوف/ فرانس برس) 
"القديس نيكولاس" اتخذ من المكتبة مكانا لتقديم الهدايا للأطفال (جينيا سافيلوف/ فرانس برس) 

ولاحظت عضو المجلس البلدي للمدينة إيفغينيا أنتونيوك أنّ "المكتبة تطاول كل جوانب حياة الناس".

وأضافت: "عندما أعادت المكتبة فتح أبوابها، وفّرنا للناس إمكانية شحن بطاريات أجهزتهم، وتمضية النهار في مكان دافئ لمشاهدة إعادة الإعمار".

عند انسحاب الجيش الروسي من إربين ما بين نهاية مارس/ آذار ومطلع إبريل/ نيسان، خلّف وراءه جثثاً لمئات المدنيين الذين تسبب بمقتلهم، ومشهداً قوامه عشرات المباني المدمّرة أو التي أحدثت فيها القذائف فجوات، في حين كان السكان لا يزالون يعانون الآثار النفسية للصدمة المروّعة.

واليوم، بعد أكثر من عشرة أشهر على بداية الحرب، لم تعد التغذية بالتيار الكهربائي متوافرة باستمرار، وخصوصاً أنّ روسيا راحت تركّز منذ تعرّضها لسلسلة نكسات عسكرية في أكتوبر/ تشرين الأوّل على قصف منشآت الطاقة الأوكرانية.

وروت أولينا تسيغاننكو (75 عاماً) التي تدير المكتبة منذ أربعة عقود أنّ المبنى كان في الماضي الوحيد في المدينة الذي يضم آلة نَسخ للأوراق.

وشرحت أن المكتبة تقع "في قلب المدينة، في ساحتها المركزية، وكان يوجد دائماً إقبال كثيف عليها"، وكانت قاعتها "تمتلئ بالقراء" قبل زمن الإنترنت.

لكنّ المكتبة لم تشهد قطّ ازدحاماً كذلك الذي يحصل اليوم.

وفيما تنشط في أرجاء المدينة ورش تصليح المباني الأقل تضرراً في أسرع وقت ممكن لجعلها صالحة للسكن قبل البرد القارس، نجت المكتبة إلى حد كبير من الدمار، واقتصرت الأضرار التي تسببت بها المعارك وأحدثها القصف على تحطيم بعض نوافذها.

وهذا الدمار الذي لحق بإربين، عايشته فيكتوريا فوسكريسوفا التي كانت موجودة في المدينة حين احتلتها القوات الروسية، وشاهدت منازل جيرانها تحترق.

وقالت فوسكريسوفا التي أحضرت ابنتها ماريا (7 سنوات) إلى المكتبة للقاء "سفاتي ميكولاي": "لقد أعطانا الحلويات، يأتي الناس مع أطفالهم من أجل ذلك لكي يعيشوا لحظة إيجابية".

وعلى أحد المباني المتفحمة الكثيرة في المدينة التي تصفها السلطات الأوكرانية بـ"البطلة"، خلّد الفنان البريطاني الشهير بانكسي قدرة سكان إربين على الاستمرار، من خلال رسم جداري يمثّل شابة تؤدي وصلة جمباز إيقاعي فيما رقبتها مطوّقة بدعامة.

ألحقت الغارات الروسية ضرراً كبيراً بالمنازل السكنية في البلدة (جليب جارانيش/رويترز)
(جليب جارانيش/رويترز)

أما سيرغي مارتينيوك الذي قاتلَ ضد الروس في إربين وحضر إلى مكتبة المدينة للتحدث عن ديوانه الشعري عن "معركة إربين التي غيرت العالم"، فقال إنّ المدينة "تتعافى".

واعتبر أنّ المكتبة تؤدي دوراً رئيسياً في جعل السكان يشعرون بأنّ مدينتهم "لا تُقهر"، إذ إنّ المهم، في رأيه، هو أن يتمكّن السكان من "العمل والشعور بأنهم طبيعيون".

(فرانس برس) 

المساهمون