استمع إلى الملخص
- دور في الحراك السياسي والاجتماعي: لعب المقهى دورًا مهمًا في الحراك السياسي قبل سقوط نظام الأسد، حيث نظم جلسات حوارية جماعية وكان مكانًا لتبادل الكتب والمقالات الممنوعة، مما جعله رمزًا للمقاومة الثقافية.
- النوستالجيا والذاكرة الجماعية: يعتبر المقهى جزءًا من الذاكرة الثقافية لدمشق، حيث يجذب الزوار بسبب نوستالجيا الماضي وأجوائه التقليدية، محافظًا على نمطه التقليدي كرمز ثقافي واجتماعي.
أمتار قليلة تفصل مقهى الروضة عن مقر البرلمان السوري، وأكثر من شارع في وسط العاصمة دمشق تنتهي بالمهتمين بالشأن العام إلى مقاعد المقهى الذي افتتح في عام 1938، وغالبية مقاعده مصنوعة من الخيزران، وقلما تجدها في أماكن أخرى، وهي تنتشر على مساحة المقهى الذي يمتد على 750 متراً مربعاً.
لم تتفق السلطات التي حكمت سورية منذ تحررها من الاحتلال الفرنسي في عام 1947، إلى تاريخ سقوط نظام عائلة الأسد، على شيء قدر اتفاقها على قمع حرية التعبير، والتنكيل بمعارضي السلطة، لكن مخابرات الأسد، على تنوعها، كانت تختار أساليب ساذجة لمراقبة الأماكن العامة مثل مقهى الروضة، فتجد عنصراً من "الأمن العسكري" يجلس حاملاً جريدة بالقرب من إحدى المجموعات، يحاول استراق السمع لما يتحدثون عنه، أو تجد عنصراً من "الأمن السياسي" يتنكر في شخصية ماسح أحذية ليطوف على راود المقاهي، حاملاً الصندوق، ويحاول أن يتلقط معلومات يكتبها في تقريره الأمني.
وقد لا يختلف الأمر لدى عناصر المخابرات الجوية أو أمن الدولة أو المخابرات العامة أو الأمن الوطني، والمشاهد المكرّرة تلك ليست مسروقة من فيلم سينمائي، أو مشاهد متخيلة، بل كانت واقعاً معيشاً في كثير من الأماكن التي يكون فيها الضجيج ستاراً بين المتحدثين و"الحيطان التي لها آذان" التابعة لنظام الأسد، الذي كان أكثر ما يخيفه هو الكلمة.
وفي مقهى الروضة، ربما كان عدد السذج من عناصر المخابرات كبيراً، لأنه مكان يجمع العاملين في الشأن العام منذ ما قبل عام 2011، قبل أن يتحول مع عدد قليل من مقاهي دمشق القديمة، إلى مكان عمل خلال سنوات الثورة السورية، بفعل انعدام وجود التيار الكهربائي، وما يتبعه من سوء الاتصالات، بينما المقاهي تؤمن وجود التيار الكهربائي عبر المولدات، أو عبر وسائل الطاقة البديلة، ما يجعلها مقصداً لكل من يحتاج إلى مكان للتواصل.
كذلك كان المقهى يتحول في المناسبات الرياضية الهامة، خصوصاً مباريات كرة القدم، إلى "مدرجات استاد".
ويعتمد اختيار مقهى الروضة دون غيره على ثلاث جزئيات أساسية، أولها الأسعار المقبولة التي ظلت في متناول الجميع رغم الأزمات المالية التي كان جميع المواطنين يعانون منها، والثاني وجود المقهى في قلب العاصمة، وبالتالي إمكانية الوصول إليه سيراً على الأقدام بسهولة بعد انتهاء العمل، وبالتالي توفير كلفة المواصلات، والثالث يرتبط بكون المقهى يحمل كثيراً من الحميمية، فما إن تدخل المكان، حتى تشعر بأن كل من فيه يعرف بعضهم بعضاً، رغم أن هذا ليس دقيقاً بالمعنى الحرفي للكلمة.
يكشف الروائي والصحافي يعرب العيسى في حديثه لـ "العربي الجديد"، عن شجاعة كبيرة لصاحب المقهى الذي قرر خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت سقوط النظام، أن يكون شريكاً في الحراك عبر إفراد مساحات من الحوار الجماعي من خلال جلسات نظمت داخل المقهى الذي ترسخت مكانته لدى المشتغلين بالثقافة والفن والسياسة في سورية.
يقول العيسى: "يعد مقهى الروضة بمثابة العنوان الدائم لكثير من الشخصيات الثقافية والفنية السورية، وآلاف الأشخاص الذين لا أعرفهم بشكل شخصي كانوا يتواصلون معي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة موعد وجودي في المقهى، كي يكون ثمة جلسات مشتركة معهم، وخلال سنوات الحرب كان المقهى مكاناً لقضاء الوقت، لكن يوم الخميس من كل أسبوع كان موعداً مقدساً بالنسبة إلى مجموعة من المثقفين الذين كنت أتقاسم معهم الكثير من الأحاديث والكتب والمقالات الممنوعة في زمن نظام الأسد".
يضيف: "كان العدد يراوح في كل جلسة بين ثلاثة أشخاص إلى 20، ثم تناقص عدد الرفاق الذين كنت ألتقيهم خلال السنوات الأخيرة، فمنهم من توفي، وكنا بعد المشاركة في تشييعه نعود إلى المقهى لنكمل حديثنا عنه، ومنهم من ودعناه مسافراً، ثم عدنا إلى المقهى لنتشارك ذكرياتنا معه".
ويقول الكاتب فراس القاضي لـ "العربي الجديد": "عشرات المنابر الإعلامية المحلية والعربية المهتمة بالشأن السوري أفردت مادة أو أكثر عن مقهى الروضة، وهناك أحاديث فيها مبالغات يعرفها روّاد الروضة الحقيقيون، لكنها مبالغات مقبولة تظهر أهميته السياسية والثقافية. رغم أن هناك عدداً من مقاهي دمشق شهدت أحداثاً أكثر، وجلس فيها أشخاص أهم".
يضيف: "المبالغات، إن صح التعبير، تعود إلى أن الحديث عن مقهى الروضة تغلبه العاطفة إن كان المتحدّث من روّاده، بسبب المحبة وإدمان الجلوس فيه، فهو مقهى دمشقي عريق، وكان تجمعاً للكثير من المثقفين والكتاب والسياسيين والفنانين السوريين طوال عقود، وحتى يومنا هذا، حتى بات كل من يرتاد الروضة يُلقب بالمثقف، في دعابة شبه متفق عليها، ومردّها تاريخ الروضة في احتضان هذه الفئة، رغم أن زخم الجلسات خفّ كثيراً بعد 2011، بسبب الهجرة، وسوء الأوضاع الاقتصادية، والخوف من الحديث في السياسة، وهذا طبعاً لا يعني خلوّه من المثقفين، فبعض الأسماء السورية المعروفة في عوالم الأدب والفن والصحافة والسياسة ظلوا مواظبين على ارتياده".
ويعتبر الكاتب المتحدر من دير الزور، أن ارتياد "مقهى الروضة" يومياً مرتبط في جانب منه بـ "النوستالجيا"، إذ إن الجلوس فيه يجبر الفرد على استذكار كثيرين ممّن كانوا يجلسون فيه، وما كان يحدث بينهم، كذلك فإن الأمر يتعلق بأنماط الأماكن التي يفضلها الناس. "بالنسبة إليّ، أفضل هذا النمط من المقاهي، وهذا النوع من المقاعد، ونمط الخدمة، وإن تغيرت هذه الأمور لن يبقى أحد من الرواد اليوميين، وهذا يعد ذكاءً في التسويق من قبل أصحاب المقهى الذين قرروا الحفاظ على النمط التقليدي رغم كل التحسينات التي أجروها على المقهى في السنوات الأخيرة، حتى يحافظوا على حالة النوستالجيا هذه".