مقدمات قريبة وبعيدة للتطورات

11 مارس 2022
دراسة عن بعد في فلسطين بسبب كوفيد-19 (حازم بادر/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تظهر عملية التعليم عن بُعد من فراغ، فالكثير من التحولات التي حدثت كانت عبارة عن مقدمات لها. والأكثر قرباً وعلاقة هو اللاسلكي ثم الهاتف والراديو وجهاز التلفزة وكل أنماط الاتصال التي باتت تقليدية. لكن هذه الاختراعات ظلت إلى حد كبير بداية خارج إطار العملية التعليمية. ولكن كما في كل تحول تحدث خطوة صغيرة، لكنها تفتح الأفق على مداه. 
وتمثلت هذه الخطوة عبر التعليم بالمراسلة. وهذه هي أولى أنواع التعليم عن بُعد. ولكنها ظلت في البداية محصورة، فقد كانت التطبيقات الأولى لها في استخدامها بين العلماء أنفسهم، ثم بتعليم علم المكتبات والمعلوماتية. فقد اكتشف أمناء المكتبات أنهم بحاجة ماسة إلى التواصل بين بعضهم البعض لتأمين الكتب والنشريات لروادهم، ما دعاهم لابتكار هذه الطريقة للتغلب على صعوبات تقنية في تنظيم المكتبات والعثور على المواد المطلوبة. 
وحدث أن تبعها عدد من الأندية والمدارس في المدن الأميركية و بعض المدارس والمكتبات الكبيرة والمتخصصة بتعليم أعمال تنظيم المكتبات. هؤلاء هم أوائل من تبنى طريقة التعليم بالمراسلة، على أن تكون رديفاً وملحقاً ومكملاً لطرق التعليم النظامي وليس بديلاً له. أي أنها كانت رديفة للتعليم المباشر والحضوري. وهكذا كانت أولية التعليم بالمراسلة، إلا أنه لم يكن الوحيد من الجهود المبكرة في الولايات المتحدة لتوفير فرص بديلة للتعليم والتدريب المباشر في المؤسسات التعليمية، وخاصة في مجال المكتبات وعلم المعلومات. فقد أوجد أساتذة علم المكتبات والمعلوماتية فرصاً لغير القادرين على الالتحاق ببرامج ثابتة عن طريق إعطائهم فرصاً تعليمية خارج حدود حرم المكتبة والمؤسسة التعليمية.  
أسميت هذه الفرص بالجهود التعليمية الممتدة. ورافق هذا التطور المحدود قيام أشكال أخرى إلى جانب الفصل الصيفي، مثل: إقامة دورات مكثفة في مقررات محددة، وفصول عطلة نهاية الأسبوع، والفصول والمدارس المسائية. ما أتاح أمام العاملين الذين يكدحون طوال الأسبوع، ولا تمكنهم أوضاعهم من متابعة برامج التعليم التقليدية، الإفادة من هذا المسار لتعزيز معارفهم ونيل شهادات لم يكن بالإمكان حصولهم عليها نتيجة ظروفهم التي تحول دون الدراسة النظامية داخل حرم الجامعات والمعاهد. 
العديد من البرامج دفعت بالمستجدات خطوات إلى الأمام واستحدثت برامج متخصصة لفئات من السكان بمن فيهم الراغبون بتعميق مصادر معارفهم. واشتهرت العديد من مؤسسات التعليم العالي بفتحها الأبواب من خلال التعليم بالمراسلة، التي تبدأ من تلقي دروس المناهج المقررة وتصل إلى الامتحانات ونيل الشهادات. وكانت وسيلة الاتصال المتاحة تتم عبر البريد العادي أو السريع.

موقف
التحديثات الحية

وهكذا كانت تتطور وسائل استخدام الاتصالات عن بُعد في التدريس تبعاً لأمرين معاً هما : 
- تطور الحاجات المطروحة على التلبية من جانب الراغبين من المهتمين طلاباً وتقنيين وراغبين في الحصول على ترقية لمعلوماتهم. وهي الرغبة التي كان من البديهي أن تجد من يعمل على إيجاد حلول عملية لها. 
- تطور التقنيات وصولاً إلى الثورة التكنولوجية وثورة المعلوماتية ونُظم الاتصالات مع عقد التسعينيات من القرن الماضي، بما فيها شبكات الإنترنت. علماً أن المعلمين كانوا قد سعوا منذ نشوء المذياع – الراديو في العشرينيات في الولايات المتحدة إلى إدخاله في مجال الاستخدام التعليمي عبر شروحاتهم للدروس. لكن هذا الأسلوب لم يصبح واسع الانتشار حتى الستينيات من القرن الماضي.
في الوقت نفسه، استخدمت الشركات المصنِّعة والجماعات المهنية، مثل الأطباء والمحامين والصيادلة والمعلمين والمهندسين والعاملين بالعلوم الصحية وغيرهم، وسائل الاتصالات عن بُعد، سواء أكان ذلك للحصول على درجة أكاديمية أم في مجال التعليم والتدريب المستمر وعقد المؤتمرات وتبادل الخبرات. 
(باحث وأكاديمي)

المساهمون