لم يتسبّب فيروس كورونا الجديد في أزمة صحية فحسب، إنّما طاول كذلك مناحي مختلفة من حياة الناس. ويشكو أصحاب المقاهي في تونس، مثل نظرائهم حول العالم، من انكماش في نشاطهم يهدّد أبواب رزقهم.
أغلق محمد الهادي مقهاه عند الساعة الرابعة من بعد الظهر، على الرغم من أنّ الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لمصلحة المقاهي والمطاعم في خلال أزمة كورونا تسمح له بفتح باب رزقه حتى الساعة السابعة إنّما من دون السماح ببقاء الزبائن فيه بعد الرابعة. ويؤكد الهادي لـ"العربي الجديد"، أنّ "لا فائدة من بقاء المقهى مفتوحاً إلى حدود السابعة طالما نحن مقيّدون ببيع القهوة حصراً بعد الرابعة وعدم استقبال الناس. فهؤلاء بمعظمهم يحبّذون الجلوس في المقهى مع الأصدقاء"، لافتاً إلى أنّ "إجراءات المنع قلّصت عدد زبائننا كثيراً في خلال الأشهر الأخيرة وبتنا نواجه شبح الإفلاس". ولا يخفي الهادي أنّه سرّح نادلَين من العاملين في المقهى "بسبب عدم القدرة على دفع أجورهما. وأنا لست استثناءً، فأصحاب المقاهي بمعظمهم يواجهون المشكلة نفسها منذ انتشار فيروس كورونا الجديد".
ويُعَدّ قطاع المقاهي من بين أكثر القطاعات المتضرّرة بوباء كورونا. فالناس بمعظمهم يتفادون الجلوس فيها مخافة الإصابة بالعدوى. كذلك فإنّ الإجراءات التي اتّبعتها الحكومة للتخفيف من سرعة انتشار الفيروس قضت بتقييد عمل المقاهي لساعات معيّنة وبطاقة استيعاب لا تتخطّى 30 في المائة في داخل المقهى و50 في المائة في فسحته الخارجية، الأمر الذي أدّى إلى تراجع عدد الزبائن وتراجع عائداتها المالية. يُذكر أنّ المساعدات المالية التي قدّمتها الدولة لأصحاب المقاهي وللعمّال لم تكن مبالغ كبيرة تمكّن من حلّ جزء ولو بسيط من مشاكل القطاع. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة كانت قد اتخذت جملة من الإجراءات الوقائية ابتداءً من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
في السياق، يقول نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي صدري بن عزوز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القطاع الذي يضمّ نحو 20 ألف مقهى ويُشغل أكثر من 100 ألف عامل، بات يواجه مشاكل كبيرة منذ انتشار وباء كورونا. فأغلب القرارات الحكومية التي تُتخذ للتخفيف من حدّة ذلك الانتشار تُضيق على عمل المقاهي. ونحن نتفهم تلك الإجراءات التي تهدف إلى تجنّب الاكتظاظ وانتقال العدوى بسرعة، لكنّ 80 في المائة من أصحاب المقاهي يواجهون الإفلاس، في حين أنّ عدداً من تلك المصالح أغلق أبوابه مع تسريح مئات العمال". يضيف بن عزوز أنّ "أصحاب المقاهي بمعظمهم يطالبون بالسماح لهم باستقبال نسبة لا تقل عن 50 في المائة من الزبائن مع توفير مساعدات خاصة للعمال، بالإضافة إلى تمكين أصحاب المقاهي من قروض يؤجَّل سدادها إلى حين انفراج الأزمة". ويؤكد أنّ "المقاهي بمعظمها تتقيّد بتطبيق الإجراءات الوقائية، من فرض تباعد وتنظيف مستمر واللجوء إلى الأكواب ذات الاستعمال الواحد، في حين ثمّة هياكل رقابية عدّة تتابع التزام المقاهي بتطبيق توصيات اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا الجديد".
وكان مئات من أصحاب المقاهي قد نفّذوا وقفات احتجاجية في جهات عدّة في فترات مختلفة، مطالبين بمساعدتهم في المحافظة على مواطن الشغل والتخفيف من التضييق المفروض على أعمالهم والذي تسبّب في تراجع عدد زبائنهم وانخفاض عائداتهم المالية واضطرارهم إلى تسريح آلاف من العاملين في القطاع.
ويبدو أنّ تراجع عدد زبائن المقاهي ليس مرتبطاً فقط بإجراءات الحكومة وبتحديد نسبتهم فيها لتفادي الاكتظاظ. فالناس باتوا يتجنبون الأماكن المكتظة مثل المقاهي والمطاعم والملاهي المغلقة مخافة الإصابة بكوفيد-19. ويشير عبد الحميد ضيف الله، وهو مواطن خمسيني، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه لم يجلس في أيّ مقهى "منذ أكثر من ستة أشهر خشية من التقاط العدوى. لذا صرت أكتفي بشراء كوب من القهوة قبل العمل من دون الجلوس في المقهى، أو أجالس الأصدقاء في الحدائق العمومية التي باتت بديلاً لكثيرين يختارون الجلوس في أماكن مفتوحة". يضيف ضيف الله أنّ "للجلوس في المقهى مع الرفاق رونقاً فريداً ومتعة خاصة، غير أنّنا بتنا مكرهين على تلافي الأماكن المغلقة في ظلّ تفشي الفيروس، خصوصاً أنّ ثمّة مقاهي لم تحترم إجراءات التباعد لضيق مساحتها ولا تتقيّد بعدد الزبائن الذي حدّدته الدولة".
وتفيد الأرقام التي أصدرها المعهد الوطني للإحصاء في تونس بأنّ نسبة الانكماش الاقتصادي التي تسبّب فيها الوباء في النصف الثاني من عام 2020 تخطّت 20 في المائة، فيما ارتفعت نسبة البطالة من 15 إلى 18 في المائة. من جهتها، أشارت منظمة الأعراف وأصحاب المؤسسات في تونس إلى أنّ الموجة الأولى لوباء كورونا تسبّبت في خسارة نحو 165 ألف مواطن عملهم، لا سيّما في القطاعات الهشة والصغيرة، مرجّحة ارتفاع العدد إذا تواصل ارتفاع انتشار العدوى.