مقاعد خالية على موائد الفلسطينيين... كورونا يخطف فرحة رمضان

28 ابريل 2021
رمضان مختلف هذا العام في فلسطين (حازم بادر/ فرانس برس)
+ الخط -

 

عديدة هي الأمور التي افتقدها الفلسطيني محمد ربعي وعائلته، من بلدة السمّوع في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، في شهر رمضان الحالي، بعدما غيّب الموت والده الشيخ إسماعيل ربعي، قبل أسابيع عدة، جراء إصابته بفيروس كورونا. حال عائلة ربعي تعيشه عائلات كثيرة في مناطق الضفة الغربية، والتي تعيش حالة الفقدان والحزن خلال شهر رمضان، بعدما فقدت أحد أفرادها بفيروس كورونا، إذ أصبحت مقاعد كثيرة خالية على المائدة الرمضانية، لتترك ذويهم في حالة حسرة وحزن.

كان الشيخ إسماعيل ربعي والد محمد، يحرص دائماً على استضافة أبنائه وبناته المتزوجات وعائلاتهم على مائدة الإفطار معظم أيام شهر رمضان، خصوصاً في الأيام الأولى منه، كما أنه اعتاد على تقديم القهوة والتمر للمصلين في مسجد "ابن باز" القريب من منزله، قبيل صلاة العشاء والتراويح.

وبعد فقدان والده، يصف محمد كيف استقبلت العائلة رمضان هذا العام، قائلاً: "لا يمكن وصف كيف مرّ أول إفطار لنا في رمضان... صمتٌ مريبٌ خيم على البيت، بعدما تُرك مقعد الوالد فارغاً، وما إنّ أذّن المؤذن معلناً وقت الإفطار، حتى انهمرت دموع الجميع، إذ كانت هذه اللحظات تمتلئ خلال السنوات الماضية بالسعادة الممزوجة بالوجدانيات، والأدعية التي كان الشيخ ربعي يتلوها على مسامع عائلته ليردد أفرادها الدعاء خلفه. وبعد الدعاء يبدأ الشيخ بتوزيع التمور والماء على أفراد العائلة، ومن ثم يصلون صلاة المغرب جماعة، ليعودوا بعدها إلى مائدة الإفطار. كانت ضحكات الأحفاد تملأ المكان، وترسم البسمة على وجوه الجميع". ويصف محمد وضع العائلة خلال السنوات الماضية بالمثالي، "كنا نعيش حالة شبه مثالية في كنف الشيخ ربعي خلال العقود الماضية، حرمنا منها فيروس كورونا".

كان الشيخ ربعي معتاداً على إكرام ضيوف الله في كل مسجد يذهب إليه، فإنّ كان في بلدته السمّوع أخذ معه دلة من القهوة (الوعاء المستخدم في تحضير وتقديم القهوة العربية) وسلة من أجود أنواع التمر، ليقدمها إلى المصلين قبيل صلاتي العشاء والتراويح، وهي ذكريات لن تنساها عائلته. ويتابع محمد سرده حول أول يوم من رمضان هذا العام: "كان صعباً ليس فقط أثناء وجبة الإفطار، بل حينما قصدت المسجد الذي كان يصلي فيه، ونظرت إلى الزاوية التي اعتاد أبي الصلاة فيها، لأجدها خالية. والله إني بكيت بحرقة، ولكن بعدها أكملت الضيافة التي كان يقوم بها، خصوصاً لرفاقه من كبار السن الذين كانوا يجالسونه". أما السهرة الرمضانية بعد صلاة التراويح كان لها نكهة قلّ نظيرها لدى عائلة الشيخ ربعي، إذ كان يحيط بالشيخ أبناؤه الثلاثة عشر (تسع بنات وأربعة ذكور)، ومعهم أحفاده الذين تجاوز عددهم الخمسين، فيتسامرون مع تناول الحلويات الرمضانية، حتى قبيل منتصف الليل.

وليس في بلدة السمّوع وحسب، بل كان الشيخ ربعي معتاداً على قضاء معظم شهر رمضان في المسجد الأقصى المبارك، ويشرف بنفسه على تنظيم موائد الرحمن الرمضانية. يخبر نجله محمد: "صليت في بداية شهر رمضان المغرب في المسجد الأقصى، وزرت الساحة التي اعتاد والدي على تنظيم الإفطارات للصائمين فيها، سواء على حسابه الخاص أو من الأموال التي تصل إليه من أهل الخير، فقد كان الأقصى محطة مركزية في حياته، وتحديداً خلال رمضان، فيشد الرحال إليه ولأيام طويلة". يتابع محمد: "نحن نؤمن بقضاء الله وقدره، لكننا فعلاً نشعر وكأننا نعيش كابوساً سنصحو منه قريباً، لقد تركت الكورونا فينا جرحاً غائراً لن يندمل قريباً، لا نملك إلا الدعاء له ولجميع من فقدناهم في هذه الجائحة بالرحمة، ولذويهم بالصبر والسلوان".

مقعدان شاغران على مائدة رمضان، هذا العام، في منزل عائلة المسعف في الإغاثة الطبية الفلسطينية جرير قناديلو، من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية. فقد غيب كورونا والده زكريا ووالدته سعاد، اللذين توفيا بفارق أيام بينهما قبل عدة أشهر بعد إصابتهما بفيروس كورونا.
يقول المسعف قناديلو لـ"العربي الجديد": "رغم أنني أعمل مسعفاً منذ ثلاثة عقود، ومررت بظروف صعبة، ورأيت بأم عيني شباناً قتلوا برصاص الاحتلال بين يدي، كل ذلك لا يساوي نقطة في بحر ما نعيشه اليوم من حزن وألم على فقدان أهلي".

لا يعلم قناديلو، كيف تمكن وأشقاؤه وشقيقاته من تناول طعام الإفطار في أول يوم من شهر رمضان لهذا العام، هذا الشهر الذي تجتمع فيه العائلة مع والديهما أكثر من غيره من الشهور. لقد جاء رمضان هذه المرة حزيناً وصعباً ومؤلماً على العائلة جميعاً. اعتاد قناديلو الجلوس مع والده في حديقة المنزل كل عام قبيل الإفطار، إذ كان الوالد يتذكر دوماً رمضان في فترة شبابه، وكيف كانت الناس تعيش على البساطة وترضى بالقليل، لكنها كانت سعيدة ومرتاحة البال. ثم يجلس الوالد دوماً إلى جانب زوجته على المائدة، والتي كانت تتفنن في إعداد ما يحب من أطعمة، فهما عاشا معاً على الحلوة والمرة أكثر من 55 عاماً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومع انتشار فيروس كورونا، وتسجيل إصابات وحالات وفاة يومياً، فقد خصص العديد من أئمة المساجد الدعاء في صلاة التراويح لرفع الوباء لذي أصاب العالم أجمع جراء هذه الجائحة. ويقول الشيخ مهدي سليم من نابلس إنه يخصص معظم دعائه في قنوت التراويح بأن يزيح الله هذه الغمة، التي ما تركت بيتاً إلا ودخلت إليه، وخطفت الأحباب من الكبار والصغار، وجعلت الحزن يسكن الأرجاء.

المساهمون